عبد الرحيم التوراني
لم يعد مستقبل الشعر العربي “آتٍ من المغرب”، كما أنبأنا مرة الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، خلال إحدى زياراته إلى المغرب، عندما نسج علاقة قوية بالبلد، في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، بواسطة الاتحاديين أولا، الذين دخل دارهم بقوة عبر قصيدته الشهيرة “عرس المهدي” في رثاء الشهيد عمر بنجلون، قبل أن يهرب إلى أحضان خصومهم السياسيين زمنها، إلى محمد بنعيسى صاحب موسم أصيلا الثقافي، والذي كما هو معروف، كان من قادة الحزب المخزني (التجمع الوطني للأحرار) برئاسة أحمد عصمان. وتلك قصة أخرى يمكن العودة إلى تفاصيلها.
ومثله فعل شعراء ونقاد وصحافيون آخرون من المشرق البعيد، ممن رددوا نبوءة صاحب “لم يبق إلا الاعتراف”، بأن مستقبل الشعر العربي هنا في المغرب.
مناسبة هذا الكلام، هي حدث انعقاد فعاليات ملتقى الشعر العربى الخامس، تحت شعار الشعر وثقافة العصر، بمشاركة 100 شاعر وناقد، فى الفترة من 13 إلى 16 يناير الجارى، وأتووا من 15 دولة، ولا أعرف من مثل المغرب من الشعراء أو الشاعرات، بعد أن صار المغرب لا يعرف إلا براقصاته ومطرباته وبالكسكس والحريرة.
من طرائف هذا الملتقى حضور الشاعر آدم عليه السلام، بمرثيته في اغتيال ابنه هابيل على يد شقيقه المجرم قابيل، ونظرا لتعذر حضور أب البشر، فقد ألقاها نيابة عنه مشكورا في الجلسة الافتتاحية أحد أحفاده، الشاعر المصري محمد عبد المطلب، وعبد المطلب هذا ليس هو المطرب الشهير الذي نعرفه والذي توفاه الله قبل أعوام، ولم يتسن له حضور الملتقى، ولكنه فقط تشابه في الألقاب، ويخلق الله من الشبة أربعين، فما بالك بالأسماء. بل هو رئيس اللجنة العلمية الخاصة بالملتقى، الذى تحدث عن أهمية ومكانة الشعر فى مصر والعالم العربى، ولم يجد حرجا في ادعاء أن سيدنا آدم عليه السلام استخدم الشعر منذ قديم الزمن.
وليس آدم وحده من حضر بشعره، بل حضر أيضا إبليس لعنه الله، إذ فسح له المجال لتقديم مساهمته من خلال قصيدته المعارِضة، في هذا الملتقى “السيسي المبارك”.
وفى محاولة منه لتأصيل هذه المعلومة والبحث عن مصدرها أطلع عبد المطلب الحضور على كتاب من التراث العربي القديم، والذي جاء فيه “إن ابن عباس رضى الله عنه ذكر أنه أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد الحريرى قال: لما قتل ابن آدم أخاه، قال آدم عليه السلام:
تغيرت البلاد ومن عليها… فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذى لون وطعم… وقل بشاشة الوجه الصبيح
قتل قابيل هابيل أخاه… فواحرباً مضى الوجه المليح
فأجابه إبليس لعنه الله تعالى:
تنح عن الجنان وساكنيها… فبى فى الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وروحك فى رخاء… وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما انفكت مكايدتى ومكرى… إلى أن فاتك الثمن الربيح
فولا رحمة الجبار أضحى… بكفك من جنان الخلد ريح
وقد يسلم البعض بأن إبليس يتكلم كل اللغات، ما دام حاضرا بيننا ونشيطا حتى الساعة، ولن يتقاعد إلا بوصول يوم القيامة، لكن عبد المطلب لم يفسر لنا كيف كان جد البشربة يتكلم اللغة العربية، وكيف اهتدى إلى قول الشعر، وهل له قصائد أخرى، في التغزل بأمنا حواء مثلا، أو برثاء الفردوس والجنان بعد طرده منها صحبة زوجته، كما فعل الشعراء العرب بعد سقوط الأندلس.
وكيف كان آدم يجيد القوافي والأوزان والبحور. ألم يقل خاتم الأنبياء أن الانبياء ممنوعين من قول الشعر. وجاء في القرآن ” وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ”.
علينا إذن انتظار صدور الأعمال الكاملة للشاعر آدم عليه السلام عن مطبوعات “مؤسسة الجنة للكتاب والنشر”، وصدور الأعمال غير الكاملة للشاعر إبليس الرجيم ضمن منشورات “دار الجحيم””؟!
لا نعرف ما إذا كان المشاركون ناقشوا مستقبل الشعر، وطرحوا سؤال الشعر في الثقافة العربية اليوم، باعتباره من أهمّ أسئلة الثقافة الحديثة وأكثرها إشكالية والتباساً.
هل مضى زمن الشعر ومعه انتهت تلك السنوات الجميلة التي كان فيها الإعلان عن تنظيم أمسية شعرية للشاعر نزار قباني، أو محمود درويش يستقطب الآلاف من الجمهور والمتابعين، حين تمتلئ جنبات القاعات والمسارح في أكثر من عاصمة عربية، في دمشق وبيروت والقاهرة وتونس، للاستمتاع بإلقائه، كما كان يحصل في مسرح محمد الخامس في الرباط، حين كان يضطر الناس لافتراش الأرض للإصغاء للشعر والشاعر؟!!