تقريرالخبير القضائي والوسيط والحكم الدوليالاستاذ عبد السعيد الشرقاوي
هل من أمل في تحقيق “نموذج تنموي اقتصادي جديد”…
دون خبرة متمرسة في علم الاقتصاد الجديد؟
دعوة لتصحيح المفاهيم المقلوبة رأسا على عقب:
أصدرت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية بيانا بخصوص تصريحات السيد وزير الثقافة والشباب والرياضة حول المسرح المغربي جاء فيه:
“إن الدعم الثقافي عموما منبعث من التكاليف الدستورية المنوطة بالدولة وفق منطوق الفصول 5، 25، 26، 31 و33 من الدستور، فضلا عن التزامات المملكة ضمن المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان…”
ونحن من جانبنا، بحكم اختصاصنا وتخصصنا في مجال الملكية الأدبية والفنية وما يرتبط بها من حقوق مشروعة، نقول:
أولا – “في نطاق أحكام الدستور”: يجب التمييز جيدا بين “الدعم الثقافي” و”الدعم المالي”…فالدستور لا ينص على أي “دعم مالي” خاص بالثقافة أو الفنون…
– فالفصل 5: ينص على “حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا”.
– والفصل 25: يكفل كل أشكال حرية الفكر والرأي والتعبير. ويضمن حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني.
– والفصل 26: ينص على أن “تُدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة. كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة”.
– والفصل 31 ينص على أن “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في
العلاج والعناية الصحية؛
* الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
* الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي.
– أما الفصل 33 فينص على أن تتخذ السلطات العمومية التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي:
* توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛
* مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛
* تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.
كما أن الدستور المغربي (الفصل 35) يضمن “حق الملكية”… ولا يضمن حق الملكية الفكرية: لا الأدبية ولا العلمية ولا الفنية…
ثانيا – “في نطاق قوانين المملكة”: نجد أن القانون الوحيد المستمد (بسلبياته وإيجابياته) من الاتفاقيات المتعددة الأطراف والثنائية هو “القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه”. وهو لا ينص (عموما) على تقديم أي دعم مالي “ثقافي أو فني” (مسرحي، سينمائي، أو موسيقي…)”، يحمي مختلف الإبداعات والحقوق المبينة في القانون، ويخول (بصفة شخصية أو جماعية) لكل شخص (مالك أصلي للحقوق) ذاتي أو اعتباري، مغربي أو أجنبي، الحق المطلق في حماية واستغلال مصنفاته (إما شخصيا أو جماعيا)…
وهو القانون الذي تم تمريره ومراجعته مرات عديدة (كما هي العادة) في غياب أصحاب الحقوق المعنيين، دون دراسة خبيرة، ودون إشراك أو استشارة خبير متخصص في المجال.
وهو القانون الذي ننصح مجددا بقراءته قراءة متبصرة بعيون خبيرة.
ثالثا -“في نطاق التزامات المملكة ضمن المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان…”؟
القانون المذكور، وإن كان “يكفل كل أشكال حرية الفكر والرأي والتعبير (التجاري على وجه الخصوص). ويضمن حرية الإبداع والنشر والعرض (بشروط معينة) في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني”، فهو لا يكفل حماية حقوق الإنسان، ولا حماية “الثقافة” بما هي “ثقافة الآباء والأجداد”… وقد تم تفويت هذه “الثقافة” أو التنازل عنها لفائدة جهات أجنبية… أما تعابير الفلكلور (“العناصر المميزة من التراث الفني” و”العناصر المقتبسة من التراث الثقافي التقليدي المغربي”) فهي محمية “حينما تكون هذه الاستعمالات لأهداف تجارية” (لا يستفيد منها المغرب ولا المغاربة).
رابعا – في نطاق التشريع المغربي المتعلق بحقوق المؤلف:
إن القانون المغربي منسجم تمام الانسجام مع أحكام اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة واتفاقية التبادل التجاري الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية…والتي تكفل حرية التعبير التجاري وتستثني الثقافة…
لكون الثقافة (بما هي معنويات، أخلاقيات وديانات…)، تحتاج إلى الدعم المالي…وقد لا تحقق أي ربح يذكر… ومن ثمة، فهي عديمة الجدوى وسلبية. لذلك تم استثناؤها من النظام التجاري العالمي الجديد. حيث “انتهى العالم الذي كان محكوماً طيلة 5000 سنة بالأديان والميثولوجيات (الثقافة)، وبدأ نظام عالمي جديد يحكمه المال والإعلام .. عالم لا مكان فيه لله ولا للقيم الإنسانية…” (حسب ما قاله الرئيس الأمريكي ترامب في حديث مباشر يوم 28/12/2019).
وهو النظام الملزم للمغرب: الموقع والمصادق والمصفق عليه (هو الآخر) بحرارة من طرف الحكومات والبرلمانات (العربية) السابقة والحالية…بمباركة المتطفلين وتزكية المتطاولين على اختصاصات الغير.
خامسا – في نطاق التزامات المملكة ضمن الاتفاقيات العالمية المتعلقة بحقوق المؤلف:
ولا يخفى كذلك أن الدستور المغربي (تصدير) “جعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية”.
ونحن كذلك بحكم اختصاصنا وتمرسنا في المجال على امتداد خمسة عقود من الزمن، لا نعمل (عند قيامنا بخبرة قضائية، وساطة أو تحكيم وطني أو دولي) إلا على تطبيق مقتضيات المعاهدات الدولية: “في حالة وجود تعارض بين مقتضيات القانون الوطني ومقتضيات معاهدة دولية صادقت عليها المملكة المغربية”. (طبقا للمادة 68 من القانون المغربي رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة)
– فهل من “نموذج تنموي جديد” يخرج البلاد من “فخ العولمة” الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؟