عمر عاقيل
لا شك أن فوضى كرة القدم المغربية أساسها ضعف حلقة إصلاح الجموع العامة، والتي منها تبدأ أولى حلقات الإصلاح ويبدأ منها ترميم بيت كرة القدم المغربية، فإذا كانت اﻹختيارات صحيحة بنسبة كبيرة ومبنية على الكفاءة والنزاهة والأمانة فإننا سنتحصل على مسؤولين بإمكانهم إصلاح منظومة كرة القدم الفاسدة والتي لم تحقق أي إنجاز كبير يحسب لها خلال السنوات الماضية الطوال، حتى أنها أصبحت غير قادرة على تسيير أسهل الأمور وخاصة مسابقة البطولة التي أصبحت تعج في فوضى عارمة صعب إيقافها بل وكل يوم يزداد غرق كرتنا في وحل لابد من إيجاد مخرج له.
سنوات عديدة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم توفد ممثلين عنها لحضور الجموع العامة للفرق، وفي غالب الأحيان، يقتصر دورهم على تسجيل ملاحظات حول السير العام للجموع العامة، مرة لامتصاص غضب فوهة بركان الحاضرين، وفي مرات لتوثيق شهادة زور على خرق القانون، وذبح أمال ومستقبل الكرة بشكل علني وفاضح، لو تخيلنا لوهلة حقيقة كل الخروقات، لوقفنا على
حقيقة الواقع الذي يكشف بالواضح أن المنظومة الكروية برمتها فاسدة، وتعاني من اختلالات عميقة، وأن المشكل بنيوي، وأن الضرورة تقتضي البحث عن حلول جوهرية، وليس ترقيعية، وإعادة النظر في الكثير من الأمور التي تزيد من سواد مشهدنا الكروي، لوقفنا على حقيقة أن من يسهرون اليوم على تدبير مؤسساتنا الكروية، هم في الأساس محركات تخدم أجندة مصالحها الشخصية، وأنه لا أمل في إصلاح منظومة كروية بأسس إحترافية متينة.
ولأن المطلوب تطهير منظومة كرة القدم المغربية جذريا، وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، لابد أن يتم تطهير المؤسسات الوصية، على أن يمتد هذا التطهير إلى الأندية، التي يتغلغل فيها الفساد، وينعكس على مستوى بقية اللجان المختلفة، وبديهي أن ذلك ينطلق من انتخاب الشخص على أساس الكفاءة واﻹحتراف الواجب تطبيقه، وليس على أساس النفوذ والفساد والإفساد، وعلاقات الظل والكواليس، ولابد من ممارسة رقابة مالية وإدارية حازمة، من منطلق ما يتم صرفه من أموال على جلب المدربين الأجانب للمنتخبات الوطنية، والإدارة التقنية باعتبارها من أهم مظاهر إهدار المال العام، والتي كلفت الخزينة المالية الشيء الكثير بدون تحقيق أي مكتسبات.
كل هذه الفوضى الإدارية والشبهات المالية الصارخة تمر مرور الكرام دون أي حساب أو تحقيق، بل إن صفقات التعاقد مع أطر أجنبية وصل الأمر فيها إلى حد عدم وضوح مصير المبالغ التي دفعتها الجامعة مقابل التعاقد معهم، ولا إنعكاس إيجابي لكل هذه الفوضى والشبهات، وليس لذلك كله من تفسير إلا الإهمال الفادح من جانب الجهات المعنية بالأمر (وفى مقدمتها وزارة الشباب والرياضة) أو أن جامعة الكرة تحولت إلى مركز قوة يستعصى عليها المحاسبة بالرغم من فسادها الواضح، وفشلها الذريع فنيا وإداريا، أو الأمرين معا هو الأرجح وهذه كارثة حقيقية.
وحقيقة سنعيش الصدمة عندما تكشف لنا الأيام تحول الأندية إلى شركات، أوراق فساد الأندية المخبأة والمهازل الإدارية الأخرى التي لم تعرف في حينها، كما سترينا من جانب مستقبلي آخر كيف يكون حال الإبداع في الأندية بعد أن ذهبت وجوه معينة منها بلا رجعة، وسوف ترون مستقبلا كيف يتم استغلال موارد وإمكانات أندية كبيرة ولها تاريخ في الكرة المغربية، هذه الوجوه تحديدا التي قامت شدت للوراء في زمن المنافع الشخصية، كل هذا لن يتأتى إلا بمنظومة متكاملة، تشمل قائمة طويلة من الموارد، والمعدات والأدوات المناسبة، والكفاءات والخبرات، وجوانب نفسية منها الإصرار والعزيمة على خدمة الكرة المغربية، والعمل الجماعي، والإستفادة من تجارب الآخرين، إلى غير ذلك، ويأتي على رأس قائمة هذه المنظومة التخطيط الجيد والإدارة الفعالة، وطبعا الإرادة السياسية والطموح الوطني.
لكن كيف يمكن لنا أن نطبق كل هذه المعايير، إذا كانت غائبة تماما ؟ لأنه لا يمكن أن تدار بعقلية الواسطة والمحسوبية واﻹنتماءات الضيقة، فمصير بعض المؤسسات واللجان والأندية باتت تتحكم فيه مؤسسات حزيية، ولا عجب أن نرى على رأس بعض الأندية رؤساء لهم علاقة بأحزاب سياسية، فكيف للكرة المغربية أن تتطور إذا كانت مسيسة من رأسها حتى أخمص قدميها ومحكم فيها بعقلية حزيية.
كرتنا اليوم مهزومة سياسيا، ولو كان للهزيمة كأس لرفعها مسؤولو كرتنا، ولتنافسوا أيضا على الفوز بها.