سعيد غزالة
ليس دفاعا ولا انتصارا للمثقف ولا تلميعا لوجوده الملتبس، فلقد صار أداة غير كريمة لتصريف أجندات التفاهة التي تمتلكها النخبة الاقتصادية التي دائما ترى في المثقف ذاك الترف الذي يأتي بعد الكسب، وكما أصبح يمرر ( المثقف ) كما الماء تحت التبن مشاريعا لتبخيس العمل الثقافي وتفريغه من محتواه، والذي هو عمله وقيمته الاعتبارية، فقط من أجل أن يبقى متماهيا في وجوده بين طواحين السحق والمحق لوجوده بالتتفيه والتمييع وجعله آلية استقبال وترحيب وأنس. أي مثقفين هؤلاء الذين صار أغلبهم لا يمتلك خزانة كتب ولا أفق تواجد، منغمسين في يومي مسكون بالقيل والقال والاختلاط بالقطيع الهائم في دروب الاستهلاك. أي مثقف هذا الذي سحب منه حق القول والنقد والدفاع.. هذا الببغاء لمقول وفكر الآخر خارج الحدود؟ أينه من التميز؟ لم يعد لديه قدرة على طرح السؤال المخلخل من أجل فعل يحمل فيه أداة التغيير والنقد والإبداع.. غاب المؤلف المؤثر المؤلف الإنسان الذي يتسائل ويسائل ويترجم هموم واقعه وينقله بأسلوب جدير بالتأمل. غاب الشاعر والقصاص والروائي وعالم النفس، لينخرطون في معيش يومي سالب يصفقون لإديولوجيات مهترئة مطبلين لكل ذو مال تافه استطاع أن يمتلك البشر والحجر، ويصرف ضعفه المعرفي في منتديات التمجيد والمداهنات. غاب رجل التاريخ الذي يبحث له عن موقع قدم وإن بالتزوير! غاب سباك الكلمات النارية والخطابات المشفوعة بالأمل والتغيير. غاب المثقف العضوي الذي ينطلق بعد أن يرتشف قهوته المرة ليغوص في يومي حقيقي ينقل منه وفيه هموم الإنسان للإنسان، ويلعلع صوته في الخافق ماحقا كل الحدود محطما قيود العجز والخوف والتردد. لم يعد يسكن المنتديات إلى أنصاف المثقفين الذين يبحثون بكل ذل عن موقع قدم أو مكانة تدغدغ غرورا يكبر كمرض خبيث. ليس دفاعا على المثقف الذي اختار أن يتوارى خلف مخمليات التأمل وضرب الكف على الكف تأسفا. وليس احتراما لمن ارتدى زي المثقف ليبارز بلا سيف ولا قلم إلا بالإدعاء والسرقات حتى ما يبرِز اسمه المثقل بعلامات الاستفهام. بل من أجل أن نميط اللثام على سياسة التتفيه الممنهجة والتي صيرت تاريخ مبدعينا إلى مهازل ورمت بالذاكرة في مجاري النسيان النتنة بخبث صناع التفاهة. المثقف الحقيقي صار قربانا للتراجع المعرفي ومحرقة على نصب السفاهة. لنا عودة.