عثمان الحمادي… حين يُبحر الشراع نحو الذهب وصمت البحر يصفق

جسر التواصلمنذ 15 دقيقةآخر تحديث :
عثمان الحمادي… حين يُبحر الشراع نحو الذهب وصمت البحر يصفق

بقلم: رشيد الياقوتي

على سواحل الخليج، حيث لا صوت يعلو فوق حفيف الموج، كان شاب إماراتي يدعى عثمان الحمادي يُحاور البحر كل صباح. لا صخب يرافقه، لا جمهور يصفق. فقط شراع أبيض، ومياه متقلبة، وعينان ثابتتان تراقبان الأفق كأنهما تحفظانه.
الحمادي لا يمارس الرياضة الشراعية من باب التسلية أو الهواية العابرة. البحر بالنسبة له كتاب مفتوح، يتعلم منه الصبر والدهاء، ويختبر فيه روحه ومهارته. لذلك، حين عاد من دورة الألعاب الشاطئية الخليجية المقامة في سلطنة عمان متقلدًا ذهبية فئة ILCA6، لم يكن الخبر مفاجئًا لمن يعرف هذا الشاب الهادئ الصلب.

ذهب بلا ضجيج. نصر بلا صخب. توّج الحمادي جهده الطويل في مواجهة الرياح والتيارات، وأثبت أن البطولة ليست من يصعد المنصة فقط، بل من يستحقها بحق.
لكن إنجازه لم يأتِ في فراغ. فدولة الإمارات، في السنوات الأخيرة، أفرزت جيلاً جديدا من الشباب الرياضيين، لم تعد حدودهم الملاعب المحلية، بل الأفق ذاته. في رياضات مختلفة، من الأرض إلى البحر، ومن الحلبات إلى المضامير، نال الإماراتيون الذهب لا كرمى للحظ، بل لأنهم استحقوه عن جدارة.
جيل لا يتحدث كثيرا، لكنه يُنجز. جيل تربّى في بيئة ترى في الرياضة ركيزة من ركائز بناء الإنسان، لا مجرد وسيلة ترفيه. ولذلك، كان لافتًا أن يتصدر شباب الإمارات منصات التتويج في بطولات خليجية وعربية ودولية، حاملين معهم قيمة الانضباط وروح التحدي.
عثمان الحمادي واحد من هؤلاء. في صراعه مع البحر، لا يرفع صوته، لكنه يرفع العلم. لا يستعرض عضلاته، لكنه يستعرض التوازن بين العزيمة والهدوء. وفي مواجهته لأبطال الخليج، لم يصرخ أو يحتفل، بل اكتفى بنظرة نحو الأفق، كمن يعرف أن القادم أهم من الحاضر، وأن الذهب، مهما لمع، يظل مرحلة لا نهاية.
داود عبدالله من البحرين، والمعتصم الفارسي من سلطنة عمان، شكلا جزءا من مشهد تنافسي نبيل، لكنه في النهاية كان عثمان هو من رسم خط النهاية على مقاس الحلم الإماراتي.
فوزه ليس مجرد ميدالية. إنه جزء من سردية إماراتية أكبر، تقول بأن الوطن الذي يستثمر في شبابه، لا يُهزم. الوطن الذي يؤمن أن الرياضة ليست ترفًا، بل مدرسة للقيادة، يزرع في كل شاب بذرة بطل.
وهكذا، بينما كانت الكاميرات تلتقط لحظة التتويج، كان عثمان يفكر ربما في شيء آخر… تدريب صباحي جديد، سباق قادم، أو موجة أعلى. فالذهب عنده ليس غاية، بل محطة. والبحر، كما يعرفه جيدا، لا يمنح المجد لمن يبحث عن المجد فقط، بل لمن يعشقه كما يُعشق الوطن.

الاخبار العاجلة