الفن والمصلحة: النقابات الفنية المغربية في الميزان

جسر التواصل31 مارس 2025آخر تحديث :
الفن والمصلحة: النقابات الفنية المغربية في الميزان

ياسين كريكش التطواني جسر التواصل 

في المغرب، حيث يعتبر الفن جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية، تظل بعض النقابات الفنية المغربية محورًا للشكوك والاستفسارات، بينما يُفترض أن تكون هذه النقابات ركيزة أساسية لحماية حقوق الفنانين الموسيقيين لكن الواقع يختلف كثيرًا، فبدلاً من العمل على تحقيق العدالة وضمان حياة كريمة لأعضائها، أضحت بعض النقابات الفنية المغربية أداة لتحقيق المصالح الخاصة وخدمة الأهداف الفردية على حساب الغالبية العظمى من الفنانين و في هذا السياق، يعد من الضروري أن نقوم بفحص الوضع الحالي للنقابات الفنية المغربية، وأن نبحث عن الإجابات على الأسئلة التي تطرحها هذه النقابات حول مصداقيتها وفعاليتها في خدمة الفنانين والموسيقيين في المغرب.
نقابات بلا تأثير بهياكل متحجرة: أين هي حقوق الفنان؟
أحد الأدوار الأساسية للنقابات الفنية هو الدفاع عن الفنان في المهرجانات وتأمين مكانته الاجتماعية وحمايته من أي استغلال، لكن الواقع يكشف أن بعض النقابات باتت عاجزة عن القيام بدورها الأساسي، حيث يُترك الفنانون لمصيرهم في مواجهة مدراء المهرجانات وأصحاب النفوذ في المجال، الذين يتحكمون في البرمجة وفقًا لمصالحهم الخاصة. والنتيجة؟ تكرار نفس الأسماء في كل مهرجان، بينما يُقصى العديد من الفنانين الآخرين، خاصة الشباب، الذين لا يجدون منفذًا للوصول إلى الجمهور.
علاوة على ذلك، لا تقدم النقابات حماية فعلية للفنانين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض العديد منهم لحملات تشويه ممنهجة دون أي تدخل للدفاع عنهم أو استعادة كرامتهم.
الاستغلال في الملاهي الليلية وغياب الحماية الاجتماعية
من أكثر النقاط التي تكشف هشاشة بعض النقابات الفنية المغربية هو وضع الموسيقيين الذين يشتغلون في الملاهي الليلية والفنادق الكبرى، فرغم الدور الأساسي الذي يلعبونه في تنشيط المشهد الفني، فإنهم غالبًا ما يشتغلون دون عقود عمل واضحة، وبدون أي ضمانات اجتماعية أو تأمين صحي. بل إن بعضهم يعمل فقط بـ”الغرامة”، وهو مبلغ يحدده رواد السهرة، يُدفع بشكل غير منتظم، ما يجعل الفنان يعيش في وضعية هشة.
هنا يطرح السؤال: أين هي النقابات من هذه الأوضاع المزرية؟ لماذا لا تتدخل لحماية حقوق هؤلاء الفنانين، أم أن همومهم ليست ضمن أولوياتها؟ إن النقابة الحقيقية يجب أن تكون الصوت المدافع عن الفنان، وليس مجرد واجهة شكلية دون تأثير.
النقابات والتلفزيون المغربي: تهميش مستمر للفنان الموسيقي المغربي.
يُعَدُّ ضعف تأثير بعض النقابات الفنية المغربية من أبرز العوامل التي تكرّس التهميش الذي يطال الفنانين الموسيقيين في وسائل الإعلام، وعلى رأسها القنوات التلفزيونية   فمن المفترض أن تضطلع هذه النقابات بدور محوري في ضمان حضور متوازن وعادل للفنان المغربي داخل الفضاء السمعي البصري، سواء من خلال الضغط لإطلاق برامج فنية تتيح للفنانين فرص الظهور، أو عبر الدفاع عن حقوقهم المهنية والاقتصادية.
ورغم وجود العديد من الفرق الموسيقية والفنانين الذين يسعون إلى التجديد والإبداع، إلا أنهم يواجهون مشاكل عديدة تحول دون وصولهم إلى الجمهور عبر التلفزيون  ، مما يدفعهم إلى البحث عن بدائل رقمية، مثل منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب. في المقابل، تظل  بعض النقابات عاجزة عن فرض وجودها في المشهد الإعلامي، إذ لم يسبق أن شاهدنا موقفًا نقابيًا حازمًا يطالب بمساءلة مسؤولي القنوات حول تغييب الفنان المغربي من خلال قلة البرامج الفنية أو الاعتراض على استضافة الفنانين في البرامج الفنية دون أي مقابل مادي، وهو وضع غير مقبول في أي صناعة ثقافية تحترم نفسها.
إن هذا المشكل بين القنوات التلفزيونية وغياب نقابات فنية قوية قادرة على الدفاع عن حقوق الفنانين يُضعف بشكل كبير الصناعة الموسيقية في المغرب، ويكرّس هيمنة نخبة ضيقة على المشهد الفني، بينما يظل معظم المبدعين خارج الحسابات الإعلامية ، ولو كانت هناك نقابات فاعلة تمتلك رؤية استراتيجية، لكانت قادرة على فرض إصلاحات جوهرية داخل القطاع، تضمن عدالة التوزيع الإعلامي، وتصون حقوق الفنانين في الإنتاجات التلفزيونية، وتحدّ من هذا الإقصاء الممنهج الذي يعاني منه الكثير من المبدعين المغاربة.
النقابات ووزارة الثقافة / غياب الفعل وحضور الصورة والريع الثقافي.
يفترض أن تضطلع النقابات بدور جوهري في النهوض بالقطاع الثقافي، عبر تقديم مقترحات إصلاحية، والمطالبة بتحقيق العدالة الفنية، والمساهمة في تطوير القوانين المنظمة للمجال لكن الواقع يكشف ضعف تأثيرها في صياغة السياسات الثقافية، وغياب المبادرات الجادة لمساءلة الوزارة حول قضايا الفنانين.
في المقابل، تحوّلت بعض القيادات النقابية إلى مجرد وسطاء يسعون إلى التقرب من المسؤولين، حيث باتت لقاءاتهم مع الوزير فرصة لالتقاط الصور أكثر من كونها محطات لمناقشة الملفات الحيوية للفنانين، بل إن البعض لا يتوانى عن استجداء الوزير لدعم سهرات أو مهرجانات  ، رغم أن  هذه النقابات  ليست مشغّلاً ولا جهة منتجة للعروض، بل مؤسسة من المفترض أن تناضل من أجل تحسين وضعية الفنانين والدفاع عن حقوقهم.
الجوق الوطني وضياع التراث الموسيقي
لطالما شكل “الجوق الوطني” و”الأجواق الجهوية” التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية حجر الأساس في تاريخ الأغنية المغربية، حيث ساهمت في إنتاج روائع لا تزال تُغنّى حتى اليوم. لكن للأسف، هذه الأجواق تلاشت تدريجيًا،  . أين هي نقابات الموسيقيين من هذه الكارثة الفنية؟ لماذا لم تطالب بمسائلة الجهات التي ساهمت في القضاء على هذه الفرق؟ والأمر لا يقتصر فقط على الموسيقى العصرية، بل يمتد إلى فنون أخرى مثل فن الملحون وفن الطرب الأندلسي ” موسيقى الألة “، حيث كانت هناك فرق موسيقية متميزة عزفت أروع الألحان، لكنها اليوم لا وجود لها.
التغطية الصحية للفنان المغربي إنجاز ملكي وليس نقابي
عندما نتحدث عن التغطية الصحية للفنانين، نجد أنها جاءت بمبادرة ملكية بحتة، وليست بفضل مجهودات النقابات، صاحب الجلالة الملك محمد السادس هو من سعى لتوفير هذه الخدمة لجميع المغاربة، في حين ظلت النقابات غائبة تمامًا عن هذه القضية وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن بعض النقابات لم تقم بأي دور حقيقي في تحسين أوضاع الفنان، بل اكتفت بمراقبة الوضع دون أي تدخل فعلي.
الشفافية والمحاسبة: أسئلة بلا إجابة
إذا كانت النقابات تدّعي امتلاكها عددًا كبيرًا من المنخرطين، فمن حق هؤلاء المنخرطين أن يسألوا: أين تذهب مداخيل الاشتراكات؟ ماذا تحقق النقابات من مكتسبات لصالحهم؟ وما هو مصير الدعم الذي تتلقاه من الدولة؟ من غير المقبول أن تكون النقابات مجرد مؤسسات تستفيد من الإنخراطات والدعم العمومي دون تقديم خدمات ملموسة، يجب أن يكون هناك وضوح وشفافية في تدبير الموارد، وإلا فإن هذه النقابات ستظل مجرد أدوات لخدمة مصالح شخصية، بعيدة كل البعد عن هموم الفنان المغربي.
نقابات عاجزة ومستقبل غامض
بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس أول نقابة فنية مغربية، هل يمكن أن نقول إن دور النقابات الفنية المغربية قد إنتهى نهائيا لأنها بدل أن تعمل على خدمة الفنانين وتحقيق مصالحهم، أضحت هذه النقابات أداة لمصالح شخصية ومحتكرة من قبل الأفراد الذين يرأسونها لأجل مصالحهم الخاصة أو مصالح المقربين منهم وما يعزز هذا الطرح هو أن كل رؤساء النقابات في العالم يتغيرون كل سنتين أو أربع سنوات، لكن في المغرب رؤساء النقابات الفنية يلتصقون بالكرسي مدى الحياة، مما يؤدي إلى الاحتكار والاستغلال و هذا الوضع يؤكد على ضرورة التغيير والتحول نحو مؤسسات وجمعيات مهنية تعمل على خدمة الفنانين والموسيقيين لكي يطوروا مواهبهم ويعززوا من مكانتهم في الساحة الفنية المغربية.
وفي الختام، يجب أن نذكر أن النقابات الفنية تمثل أداة أساسية في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات التي حققها الفنانون والمبدعون، ولم تخلق لتنظيم المهرجانات والسهرات بدعم من المال العام أو لأجل المصالح الشخصية أو الأسرية.
.

الاخبار العاجلة