الكاتب والباحث طارق المعروفي يكتب في حديث الاثنين: نسبة المشاهدة في المغرب : بين متطلبات الجمهور و رهانات الجودة .

جسر التواصل3 فبراير 2025آخر تحديث :
الكاتب والباحث طارق المعروفي يكتب في حديث الاثنين: نسبة المشاهدة في المغرب : بين متطلبات الجمهور و رهانات الجودة .

طارق المعروفي 


يعيش المشهد الإعلامي مفارقة عميقة بين ما يجب أن يكون و ما تفرضه نسب المشاهدة. فبينما نطمح إلى إعلام يرتقي بوعي المواطن و يثري معارفه ، تكشف الأرقام أن البرامج الترفيهية و التجارية و المتدنية تهيمن على الشاشات ، بينما تظل البرامج الثقافية و التعليمية و الاستطلاعية حبيسة نسب متابعة ضعيفة ، مما يدفع المؤسسات الإعلامية إلى تقديم محتوى يخضع لمنطق السوق أكثر مما يستجيب لحاجيات المجتمع .
هل نساير ذوق الجمهور أم نرتقي به ؟
هذا الوضع يطرح إشكالية جوهرية : هل يجب على القنوات التلفزية المغربية أن تساير الذوق السائد دون محاولة تغييره ، أم أن من واجبها أن تقدم محتوى جاد حتى و لو لم يحظى بنسبة مشاهدة عالية ؟
تبرر القنوات التلفزيونية اختياراتها برغبتها في استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين ، خاصة أن مداخيلها تعتمد بشكل كبير على الإشهار ، حيث تفضل الشركات الإعلانية دعم البرامج التي تحقق نسب مشاهدة مرتفعة . في المقابل ، تعاني البرامج ذات الطابع الثقافي أو التوعوي من نقص في الدعم و الترويج ، مما يجعلها عرضة للإقصاء التدريجي من الشبكة البرامجية .
إحتكار الإنتاج و إقصاء المبدعين و الفنانين المتميزين .
و من المعضلات الأخرى التي تطفو على السطح في الإعلام المغربي مسالة الإنتاج، حيث نلاحظ هيمنة عدد محدود من الشركات على الصفقات التلفزيونية، في حين تبقى العديد من الشركات الأخرى على الهامش، مما يطرح علامات الاستفهام حول معايير الاختيار. هذا الاحتكار لا يؤثر فقط على تنوع الإنتاج ، بل ينعكس أيضا على وضعية الفنانين و المبدعين ، حيث يظل الكثير منهم في انتظار فرص قد لا تأتي ، بينما توزع الأدوار و المشاريع دائما على فئة معينة دون غيرها .
بين الخدمة العمومية و التوجه التجاري :
إذا كانت القنوات التلفزيونية المغربية تعتبر مرفقا عاما، فمن المفترض أن تكون ملزمة بتقديم محتوى يعكس تنوع المجتمع و يلبي حاجياته المختلفة، لا أن تقتصر على تلبية متطلبات السوق الإعلاني. أما إذا كانت تعتبر نفسها مؤسسات تجارية بحتة، فإن الأولوية ستظل محصورة في تحقيق الأرباح، بغض النظر على التأثير الثقافي و المعرفي للبرامج التي تقدمها.
إعلام مسؤول أم سوق مفتوح:
في النهاية ، يبقى التحدي الحقيقي ، هو كيفية تحقيق توازن بين الربح المادي و الجودة الإعلامية . فرفع نسب المشاهدة ليس هدفا في حد ذاته، بل ينبغي أن يكون وسيلة لنشر محتوى ذي قيمة يساهم في بناء وعي المجتمع و يرقى به. و المطلوب ليس فقط إرضاء الجمهور، و لكن أيضا العمل على توجيهه نحو محتوى أكثر عمقا و إثراء، لأن الإعلام ليس مجرد مرآة للمجتمع، بل هو أيضا أداة لتطويره و النهوض به.

الاخبار العاجلة