طارق المعروفي
كلمات “التقاعد” و”الحذف من الأسلاك” و “التشطيب”، و ما إلى ذلك من العبارات التي يتم استعمالها للإشارة أن هذا الموظف أو المستخدم قد انتهى مسار عمله بصفة قانونية ، تحمل بين طياتها في بعض الحالات نهاية الحياة أو الموت قبل الأوان. و ما أحوجنا اليوم إلى هؤلاء الناس الذين وصلوا إلى هذه المرحلة لكي نستفيد من تجربتهم و خبرتهم و عطائهم طوال حياتهم المهنية، حتى تكون هناك استمرارية للمؤسسة و الإدارة ،و تقدم في الجودة و النتائج ،عوض أن ننعتهم بأن وقتهم قد فات، و بالتالي لم يعودوا صالحين للمجتمع .
و يلاحظ في بعض الأحيان، مساعدة المحيط الذي يعيش فيه المتقاعد على هذا الإحباط بقولهم: إنك كبرت، سير ترتاح… سيدي كبور… إنك عيان، و لا تقوى على فعل أي شيء… الله غالب … و ما إلى ذلك من العبارات التي تؤدي غالبا إلى أمراض نفسية و جسدية، و يصبح المتقاعد مواظبا على التحليلات و الأشعة و المراقبة الصحية في كل وقت و حين ،مع أنه قادر على العطاء، و يتعين فقط تجديد الطاقة للعودة إلى الحيوية و النشاط .
التقاعد هو مرحلة مفصلية في حياة الإنسان، فقد يواجه العديد من الأشخاص مشاعر القلق والتردد، ظناً منهم أن هذه المرحلة تمثل نهاية الحياة المهنية والشخصية. لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن التقاعد ليس نهاية، بل هو فرصة جديدة لإعادة اكتشاف الذات، و توجيه الطاقة و الخبرة نحو أهداف جديدة .
عند بلوغ سن التقاعد، قد يشعر الإنسان أنه فقد أهميته أو أصبح غير قادر على المساهمة كما كان يفعل في السابق. و هذا التفكير يزرع في النفس مشاعر الإحباط والفراغ، وهو ما قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية. و الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين ينظرون إلى التقاعد باعتباره “نهاية الحياة”، هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية، مثل الاكتئاب و أمراض القلب نتيجة الشعور بالعزلة و الكسل. و من الخطأ أن يترك الإنسان حياته عرضة للفراغ ،لأن ذلك سيؤدي إلى تسريع الشيخوخة و الشعور بالعجز. لهذا يمكن للتقاعد أن يكون وقتا مناسبا لتجديد الطاقة، بممارسة الرياضة و الانخراط في الأنشطة الثقافية و الاجتماعية، و توسيع دائرة العلاقات الشخصية .
يحمل التقاعد في طياته العديد من الفرص. ففي هذه المرحلة، يصبح لدى الشخص الوقت الكافي للاعتناء بنفسه، وللقيام بأنشطة كانت مغفلة أثناء سنوات العمل. يمكنه كذلك ممارسة هواياته القديمة أو اكتشاف اهتمامات جديدة، وكذلك استثمار الخبرات التي اكتسبها طوال حياته العملية في مجالات أخرى. يمكنه أيضاً المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، مما يعزز من جودة حياته و يقلل من خطر العزلة، كما يمكنه المشاركة في العمل التطوعي أو الاستشاري، لأن لديه مهارات ومعرفة و خبرة، يمكن استخدامها لتوجيه الأجيال الجديدة أو تقديم استشارات في مجالات تخصصه.
و في الختام ، لا ينبغي أن يُنظر إلى التقاعد على أنه مرحلة من السكون والكسل و نهاية الطريق، بل هو مرحلة جديدة ،يمكن أن تحمل الكثير من الفرص و الإمكانيات، و ذلك بالتحلي بالايجابيات، و السعي للاستفادة من هذه المرحة .