محمد فنيدو
الفيلم الذي اختار له المخرج محمد فاضل الجماني اسم “أرحيل” (الرحيال أو الترحال) لا يمكن التكلم عنه بإسهاب وحسبي تسليط الضوء على بعض جزيئاته. لأنه ينبض بحمولة انتروبولوجية وتاريخية متأصلة تبسط للمشاهد لحظات مفصلية من حياة البدو.
هذا الفيلم كما أعلن عن ذلك مخرجه يدخل في إطار تصور ثلاثية بدأها ب “خيمة الرك “واليوم “ارحيل” على أن ينكب لاحقا على فيلم وثائقي سيشكل صيرورة لإنتاجاته.
فضاء الفيلم
تدور أحداث الفيلم في الفضاء الصحراوي بشكل كامل من جبال وكثبان رملية وإبل. وهكذا تم استغلال مكامن الجمال الصحراوي الخالص كما تم الاعتماد على شخصيات قليلة (عائلتين) وأثاث بسيط. ويغلب اللون الأسود على كل المشاهد تقريبا. وهو اللون المفضل لدى الصحراويين.
طقس الولادة
يمكن القول إن الفيلم حاول تناول هذه التيمة بجرأة غير معهودة من خلال محاولة نقل جزئياته من لحظات الألم وتجمع النسوة لمساعدة المرأة الحامل ثم الانتظار من جانب الرجال والنساء وصول إلى لحظة الولادة.
لا شك أن هذه اللحظة توثق لحظة مفصلية ومحاولة تسليط الضوء على ما يصاحبه ليعرف المشاهد ظروف الولادة في الصحراء وكذلك معاناة النساء في هذه اللحظة العسيرة في غياب الأطباء والقابلات والمستشفيات.
يمكن اعتبار “ارحيل” أي الترحال حالة تأقلم مع المجال تفرضه الظروف والمتغيرات الطبيعية والبشرية ومن هذه الظروف حالة المناخ ولهذا لقب البدو بأبناء النو (1) ، لتنقلهم الدائم تبعا للأماكن سقوط المطر والخصب.
حضور الخيمة
حضور الخيمة برمزيتها المجسدة لتعايش الاسر وسكنهم المؤقت في المكان والدائم في الزمن وعلى اعتبار ان الخيمة هي السكن القار للبدو في حلهم وترحالهم.
تيمة الموت والحياة
وتأتي في إطار استمرار للنوع البشري وكذا نقل الإرث الحضاري. ويوازي ذلك حضور المرأة القوي في الفيلم وهو ما يوازي حضورها الدائم في الواقع في المجتمع الصحراوي في مختلف مظاهره.
” الكلادة ” حضور الموروث الحضاري والديني
الموروث الحضاري وأيضا الديني من خلال ” الكلادة” التي انتقلت من الجد الى الحفيدة. ويمكن ان نسقط عليها انتقال الموروث الحضاري وأيضا الديني من جيل الى جيل بما يحمله الانتقال من رمزية وضرورة صونه والحفاظ عليه.
في الأخير نتساءل هل نشهد هل مثل هذا النمط من العيش ما زال في الصحراء وإذا كان فمن المؤكد أنه ليس بنفس الكثافة ولا بنفس الحالة وعليه هل نشهد في المستقبل القريب نهاية البدو أم ظهور بدو بصفات جديدة خصوصا مع بداية استعمال المواصلات الحديثة وطرق التواصل الجديدة؟
الفيلم ضرورة حتى للبيضان أنفسهم على اعتبار أن الموروث البيضاني/ الحساني بكل تجلياته يمكن أن يصبح شيئا غير مألوف للأجيال اللاحقة وستضطر للبحث عنه فيما كتب ووثق إن وجد.