جسر التواصل/الاعلامي احمد رمزي الغضبان
احيانا يعجز الكاتب كيف يجد مدخلا لموضوع معين، والعجز هنا ليس على مستوى اللغة او البلاغة، بل العجز هنا عندما يتملك الكاتب شعور بالحب الصادق المطلق، وامام هذا الشعور تبدو اللغة بمختلف الاساليب التعبيرية مقصرة دون تحديد الفكرة والصورة، هذا الشعور ظل يلازمني لمدة تجاوزت الشهر كاملا وانا احاول ان اكتب كلمة تليق بمستوى رجل فذ نبيل، عرفته بمدينة مراكش، وجمعتني به مناسبات طيبات متعددة، وكم كنت اتمنى ان اكتب اسمه تصديرا لكلمتي في حقه باحرف بارزة من ذهب لانه اصلا، وعلى مستوى مختلف الواجهات الانسانية، هو عندي اسمى من الحرف والبلاغة والذهب، ذلكم هو الاعلامي المغربي الكبير، والشاعر الغنائي الجميل، والزجال الفذ صاحب المتن الزجلي البليغ الاستاذ محمد الصقلي.
ولد الاستاذ محمد الصقلي بمدينة مراكش، لن استطيع تحديد تاريخ معين لميلاده، لانه مع كل يوم له ولادة في افق مميز جديد، حياته في افق الاعلام كانت مع الاذاعة الوطنية المغربية تحديدا عام 1970 من استوديو 4 بمدينة الرباط، بعد ذلك انتقل للعمل بالمحطات الاذاعية الجهوية التالية: اكادير، العيون، وفي عام 1973 تم تعيينه للعمل باذاعة مراكش الجهوية، وفيها اشرف على تقديم مختلف البرامج الاذاعية، فرسخ اسمه الوضيء في ذاكرة جيل باكمله من محبي الاستماع الى ( الراديو)، خصوصا في فترة السبعينات ، وفي عام 1983 التحق الاستاذ محمد الصقلي باذاعة البحر الابيض المتوسط ( ميدي 1)، وذات مساء يقرر الغصن ان يرحل عن ظله، ليشد الاستاذ محمد الصقلي الرحال نحو الديار الايطالية وفي مدينة روما، كان حتى اليوم المستقر، واشتغل خلال فترة من الفترات في شبكة (اوربت) التلفزيونية بمدينة روما.
وفي عام 1973 كانت ولادة بهية اخرى في افق اكثر توهجا وبهاءا، في عالم الاغنية المغربية، فكان ولازال شاعرا غنائيا بادوات مميزة غير مالوفة، وكانت اغنية ( صبية) هي اغنية البداية في الدرب الممتد الطويل، قدمها المطرب الراحل محمود الادريسي من الحان الملحن المغربي الراحل الاستاذ احمد كورتي، بعد ذلك توالت نصوصه الغنائية التي لازالت خالدة ببهائها في الذاكرة الغنائية الوطنية:
_ اغنية ( المحال) قدمها بصيغتين لحنيتين الموسيقار الكبير الاستاذ عبد الوهاب الدكالي، حيث غناها بالصيغة الاولى عام 1974، ثم قدمها بالصيغة الثانية المختلفة عام 1979.
_ اغنية (مقدر لي نعشق) قدمتها سيدة الغناء المغربي السيدة بهيجة ادريس من الحان زوجها الملحن الراحل عبد الرحمان الكردودي.
_ اغنية ( احلام الصيف ) قدمها من الحانه المطرب محسن جمال.
_ اغنيتي ( ذابل لعيان) و(فضلتي غيري) للمبدع الجزائري جمال لحلو.
_ اغنية ( صباح الخير) قدمتها المطربة اسماء لزرق من تلحين الاستاذ محمد الزيات.
_ اغنيتي ( مراكش بهجة ليام) والاغنية المغربية الجميلة والذائعة التي يحفظها جميع المغاربة ( بلادي يازين البلدان) والاغنيتان من تلحين وغناء الفنان المغربي المثقف والمبدع الاستاذ نعمان لحلو.
هذا الى جانب العديد من الاغنيات الخالدات الاخرى التي ابدع في كتابة كلماتها الاديب والشاعر الغنائي المغربي الكبير الاستاذ محمد الصقلي.
وولادة اخرى كانت للاعلامي المغربي الفذ الاستاذ محمد الصقلي في افق الثقافة والتوثيق، وفي هذا الافق كان للمثقفين رحلة ممتعة ومميزة مع العديد من الاصدارات القيمة للاستاذ محمد الصقلي :
_ كتاب ( الساحة /سرادات جامع الفنا).
_ كتاب ( اليهود في الغناء المغربي والعربي: اي اسهام واية حصيلة ؟ ).
_ ثم ديوان زجلي يوجز لتصور ابداعي يرتبط بتجربة ادبية/زجلية نوعية، ولمتن زجلي بخصائص فريدة، عنوان الديوان ( غني ف خاطرك ).
و…. برغم المعاناة.. وبرغم انعكاس التيار..وبرغم الجحود والتنكر ..يواصل سيزيف رحلته في طريقه الممتد الطويل..ليظل الاعلامي الكبير والشاعر الغنائي الفذ والكاتب المؤلف المميز ضمن نخبة النبلاء الذين اعطوا هذا الوطن كل شيء ولم ياخذوا اقل حق من حقوقهم، وعندما استحضر شخصيا امثال هؤلاء الرجال الذين ضحوا بالصحة والجهد ونضارة الشباب، لعمري فاني ارثي لوطن قد اغتيلت فيه القيم، حتى مراكش مدينته التي احبها وشرفها حقا بانتماءه اليها قد اشاحت عنه بوجهها الذي كان بالامس مصدر وحي لاعماله الابداعية الخالدة، وتنكرت له، مدينة تنكرت لاعلامها من عظماء الامجاد والتاريخ، وانشغلت بتكريم الفقاقيع في منتدياتها الفارغة الباهتة، ومن المؤسف حقا ، ومن جهة اخرى مختلفة، ان تجد مؤسسات في مقدمتها معاهد للصحافة والاعلام وطلبتها لا يعرفون اعلام الاعلام في مدينة مراكش ، لا يعرفون الاستاذ محمد الصقلي، ولا يعرفون الاستاذ احمد الريفي،ولا يعرفون الاستاذ عبد الرفيع الجواهري، ولا الاستاذة بشرى الحسيني، ولا الاستاذة خديجة الجديد ….وجميع هؤلاء كل منهم يمثل اتجاها وجيها في حقل الاعلام السمعي البصري الذي كان يجب ان يدرج ضمن مخططات التكوين في مقررات معاهد الاعلام والصحافة على قلتها وانعدام جودتها في عاصمة ابن تاشفين، مراكش التي يبدع اهلها ومؤسساتها في صناعة التنكر لابناءها البررة من صناع امجادها وحضارتها، ولا اجد ختاما الا تعليقا بليغا يوجز لهذا الوضع الاليم، ماقاله الشاعر الجاهلي الشنفرى :
اقيموا بني امي صدور مطيكم
فاني الى قوم سواكم لاميل