طارق المعروفي
لم أعلم بأن مفهوم العلمانية قد تغير، و لم أدرك بعد أن تعريف العلمانية قد أصبح معناه هو الحرية و المساواة و العدالة و حقوق الإنسان و حقوق المرأة و ما إلى ذلك من الشعارات الجذابة و المؤثرة.
كل ما أعرفه، هو أن العلمانية مفهوم سياسي و اجتماعي يقوم على الفصل بين الدين و مؤسسات الدولة.
إن العلمانية ولدت و نشأت و ترعرعت في بلدان أوربا نظرا لظروف معينة لصيقة بتلك الدول، و لا حاجة لنا في تفسير ذلك . و إذا كانت العلمانية التي يتحدث عنها البعض اليوم و يطالب الآخرون بتطبيقها في المملكة المغربية ، فإن الأمر يستدعي عمليا اتخاذ الإجراءات القانونية و المسطرية التالية:
أولا : إذا كنت تطالب بالعلمانية، فإنك تطالب بتغيير الدستور الذي ينص الفصل الأول منه على ما يلي:
“تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، و الوحدة الوطنية متعددة الروافد ، و الملكية الدستورية ، و الاختيار الديمقراطي.”
و لهذا تقتضي العلمانية تغيير الفصل المذكور، و التنصيص على أن المغرب بلد علماني .
و يا ترى من الذي سيصوت على هذا الدستور ؟
ثانيا: إذا ما افترضنا أنه تم التصويت على الدستور و أصبح المغرب بلدا علمانيا، فإنه يتعين طبقا لهذا الدستور الجديد، محو وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية لأنها تابعة للدولة ، فتصبح المساجد خاضعة للجمعيات أو المحسنين، لا علاقة للدولة بها.
ثالثا: يتعين محو مواد التربية الإسلامية و القرآن الكريم من مقررات التعليم العمومي طبقا للعلمانية.
رابعا : يتعين إلغاء مدونة الأسرة لأنها تستقي موادها من الشريعة الإسلامية، و لهذا فإن عقود الزواج و الطلاق ستبرم في المقاطعة و لا دخل للعدول فيها،كما هو الشأن بالنسبة للإرث و الحجر و الحضانة والنفقة و كل ما جاءت به المدونة.
خامسا : يتعين حذف القناة التلفزية السادسة، و كذا القناة الإذاعية محمد السادس للقران الكريم، لأن الإذاعة و التلفزة قطب عمومي.
و هناك إجراءات أخرى متعلقة بفصل الدين عن الدولة.
و لهذا عندما يريد أي شخص أن يتحدث عن العلمانية ،فيتعين بالتالي التفكير في التطبيق و كيفية اتخاذ هذه الإجراءات التي ذكرناها ، و التي من المستحيل تطبيقها في المغرب، هذا البلد الذي يرتكز على ثوابت ثابتة راسخة، لا تزعزعها أفكار العملاء و الوسطاء و المأجورين ، و الذين ينكشفون من حين لآخر .
الثوابت هي الملكية و الدين الإسلامي و الوحدة الترابية.
و هكذا أرى من المستحيل تطبيق مفهوم غربي على بلد له تاريخ و هوية، وأعراف و جذور و روافد، و حضارة راسخة.
و لهذا فإن العلمانية ليست هي الحرية و المساواة و العدالة كما ينشرها البعض و يروجها للتمويه،و ليست هي الحداثة و التقدمية و ما إلى ذلك من التعابير الرنانة و الجذابة ، بل هي فقط توجه و منهج يسعى إلى فصل الدين عن الدولة لا أقل و لا أكثر.