التكافل الاجتماعي : تحديات الأسرة والتضامن بين الأجيال

جسر التواصل18 نوفمبر 2024آخر تحديث :
التكافل الاجتماعي : تحديات الأسرة والتضامن بين الأجيال

شاشا بدر ،المهدي شاشا
يشكل التكافل الاجتماعي   أحد العناصر الأساسية التي تساهم في استقرار المجتمع وحماية أفراده من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر الأسر المغربية، سواء في المدن أو القرى، نموذجًا حقيقيًا لهذا التضامن، حيث يُلاحظ أن الأسرة لا تقتصر فقط على الأب والأم والأبناء، بل تتوسع لتشمل الأجداد وأحيانًا الأقارب الآخرين الذين يعيشون تحت نفس السقف أو في مجتمعات متقاربة. هذا التكافل الاجتماعي بين أفراد الأسرة يُظهر روح التضامن والعناية المتبادلة التي تعتبر من القيم الراسخة في الثقافة المغربية.لكن في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب، أصبح هذا التكافل الاجتماعي أكثر تعقيدًا. في العديد من الحالات، نجد أن الأب أو الابن الأكبر يتحمل المسؤولية الكاملة لرعاية الأسرة، بما في ذلك تغطية نفقات الحياة اليومية، من سكن، طعام، تعليم، ورعاية صحية. خاصة في الأسر التي تضم أكثر من 7 أفراد، حيث يصبح العبء المادي والمعنوي على الشخص المعيل أكبر، ويترتب على ذلك تحديات إضافية.

في كثير من الأحيان، يتحمل الأب أو الابن الأكبر أعباء مالية ضخمة، إذ يصبح من الصعب تأمين احتياجات الأسرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. قد يكون الأب العامل الوحيد في الأسرة، أو الابن الأكبر الذي يعمل ليعيل إخوته وأحيانا والدته أو والده كبار السن. ويزداد الوضع تعقيدًا في ظل الركود الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يجعل من الصعب على العائلة توفير احتياجاتها الأساسية. في هذه الحالات، قد يضطر المعيل إلى تقليل نفقاته الشخصية أو التخلي عن بعض احتياجاته لتلبية احتياجات أفراد أسرته.هذا الوضع يطرح تساؤلًا هامًا حول دور الدولة في توفير شبكة حماية اجتماعية فاعلة تدعم الأسر المعوزة. إن المغرب يمتلك العديد من البرامج الاجتماعية التي تهدف إلى تقليل الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، مثل برامج الدعم المالي والعيني، ولكن لا يزال هناك نقص في الآليات التي تضمن الدعم المباشر للمستفيدين الذين يعانون من هذه الأوضاع الاجتماعية الصعبة. ويزداد الأمر صعوبة عندما نتحدث عن الأسر التي تعتمد بشكل كامل على معيل واحد أو اثنين فقط، مما يضع عبئًا أكبر على التماسك الاجتماعي للأسرة.من ناحية أخرى، يعكس هذا التكافل الاجتماعي في المغرب أيضًا قوة الروابط العائلية. ففي ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يتجه أفراد الأسرة إلى دعم بعضهم البعض. فالأب قد يعتمد على أبنائه الكبار ليعولوا الأسرة، في حين أن الابن الأكبر قد يضطر إلى التضحية من أجل توفير احتياجات إخوته الأصغر. وهذا النموذج، رغم التحديات التي يواجهها، يعكس القيمة الكبيرة التي توليها المجتمعات المغربية للترابط العائلي، حيث يعتبر تعاون الأجيال ضرورة لاستمرار حياة الأسرة وحمايتها من التفكك.لكن، على الرغم من قوة هذه الروابط الاجتماعية، لا يمكن إغفال أن العبء المادي والاجتماعي الناتج عن هذه المسؤولية يمكن أن يترك آثارًا سلبية على الأفراد، خاصة على المستوى النفسي. إن وجود معيل واحد يتحمل مسؤولية أسر كبيرة قد يؤدي إلى التوتر والضغط النفسي، وقد يؤثر على صحة المعيل، سواء جسديًا أو نفسيًا. وقد تكون هذه الضغوط أحد الأسباب التي تؤدي إلى تدهور العلاقات الأسرية في بعض الأحيان، إذ يشعر المعيل أنه قد ضحى بالكثير في سبيل العائلة، ولكن لا يحصل على الدعم الكافي.
من هذا المنطلق، فإن تعزيز التكافل الاجتماعي يتطلب تدخلًا من عدة أطراف، بما في ذلك الدولة والمجتمع المدني. يجب أن تعمل الحكومة المغربية على توسيع شبكة الأمان الاجتماعي بشكل أكثر فعالية، من خلال توفير الدعم للأسر المعوزة، وتسهيل الحصول على فرص العمل، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد. كما يجب أن تتزايد البرامج الاجتماعية التي تستهدف الأسرة بشكل عام، مع التركيز على الأسر الكبيرة التي تعاني من صعوبة في تأمين احتياجاتها يعكس التكافل الاجتماعي في المغرب صورة مشرقة من التضامن بين أفراد الأسرة، لكنه في الوقت نفسه يبرز التحديات التي تواجه الأفراد في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. إن تعزيز هذا التكافل يتطلب مزيدًا من الدعم من قبل الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى تعزيز الروابط العائلية وضمان حياة كريمة لجميع أفراد الأسرة.

الاخبار العاجلة