بدر شاشا باحث
في السنوات الأخيرة شهد المغرب تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة أبرزها الهجرة المكثفة للسكان من القرى نحو المدن ظاهرة الهجرة القروية أصبحت تشكل واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع المغربي خاصة عندما يتعلق الأمر بتأثيرها على القطاع الفلاحي الذي يمثل عموداً فقرياً للاقتصاد الوطني .تزايدت هذه الظاهرة مع الوقت وأصبح بيع الأراضي الفلاحية وانتقال أصحابها إلى المدن خياراً شائعاً بين العديد من الأسر التي تبحث عن فرص عيش أفضل .أسباب هذه الظاهرة متعددة تبدأ من الظروف المعيشية الصعبة في المناطق القروية حيث يعاني السكان من نقص الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى جانب قلة فرص العمل والتحديات الكبيرة التي تواجه النشاط الزراعي. يعد الجفاف واحداً من أهم العوامل التي أدت إلى تدهور الإنتاجية الزراعية في السنوات الأخيرة مما جعل الزراعة مهنة غير مربحة وغير قادرة على تلبية احتياجات السكان هذا بالإضافة إلى غياب تقنيات الزراعة الحديثة وصعوبة الحصول على الموارد الزراعية من مياه وأسمدة وبذور. المدن من جهتها تمثل بالنسبة للكثيرين فرصة لتحقيق مستوى معيشي أفضل حيث تتيح إمكانيات العمل في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والخدمات والتجارة لكن هذا الانتقال يأتي بتكاليف اجتماعية واقتصادية كبيرة. هجرة الأسر من القرى تعني هجران الأراضي الفلاحية التي كانت تعتمد عليها في العيش وتحولها في كثير من الأحيان إلى أراضٍ مهجورة أو معروضة للبيع لأغراض غير زراعية هذا التحول أدى إلى تقلص المساحات الزراعية في المغرب مما يهدد الإنتاج الوطني للمحاصيل الأساسية ويزيد من اعتماد البلاد على الواردات الغذائية مع تراجع عدد العاملين في الزراعة .هناك خطر كبير على استدامة القطاع الفلاحي وتوفير الأمن الغذائي للمواطنين خاصة في ظل التغيرات المناخية العالمية التي تؤثر بشكل كبير على الزراعة.التأثيرات ليست فقط اقتصادية بل أيضاً اجتماعية حيث يؤدي انتقال السكان إلى المدن إلى تفريغ القرى من سكانها مما يجعلها عرضة للتهميش والإهمال إضافة إلى ذلك فإن نمط الحياة الجديد في المدن غالباً ما يكون أكثر صعوبة مع ارتفاع تكاليف المعيشة والازدحام والضغط على البنية التحتية والخدمات.
لمواجهة هذه الظاهرة يتطلب الأمر حلولاً مستدامة تبدأ بدعم المناطق القروية من خلال تحسين الخدمات الأساسية وتوفير فرص عمل للشباب في مجالات غير زراعية يمكن أيضاً تعزيز الاستثمار في القطاع الفلاحي من خلال تشجيع الفلاحين على تبني تقنيات حديثة توفر المياه وتزيد الإنتاجية وتوفير دعم مادي وتقني لتسهيل عملهم على الأرض. هناك حاجة ماسة لتوازن بين التنمية الحضرية والقروية لضمان استدامة القطاع الفلاحي والحفاظ على التوازن البيئي والاجتماعي في البلاد يجب أن يتم التفكير في سياسات تحفز السكان على البقاء في قراهم وتحسين جودة حياتهم بدلاً من تركها والبحث عن فرص غامضة في المدن الحفاظ على الزراعة ليس فقط مسألة اقتصادية بل هو ضمان للأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة للمغرب.