حين يتفوق صناع التفاهة على صناع العلم: كيف أصبحت التفاهة مؤثرة في المجتمع؟

جسر التواصل12 نوفمبر 2024آخر تحديث :
حين يتفوق صناع التفاهة على صناع العلم: كيف أصبحت التفاهة مؤثرة في المجتمع؟

بدر شاشا

في عالم اليوم، أصبح صُنَّاع التفاهة يحتلون مكانة عالية، تُقدّم لهم الشهرة، ويحصلون على التأثير الواسع في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. لقد اختلطت المفاهيم، وأُعطي هؤلاء لقب “صناع محتوى مؤثر”؛ حيث باتوا يحتلون الشاشات والمواقع، يسوّقون أفكاراً سطحية ومحتوى يفتقر إلى القيمة، مما ساهم في خلق سوق جديد، سوق للجهل والتفاهة، التي تنتشر وتؤثر على شريحة واسعة من المجتمع، خاصة الشباب الذين يميلون إلى تقليد هؤلاء.

يكمن جوهر المشكلة في حقيقة أن هؤلاء يروجون لأنفسهم من خلال التباهي بالمال والمظاهر الفارغة، دون تقديم ما يفيد المجتمع أو ينير العقول. يظهرون بصور زائفة للنجاح والسعادة، التي تعتمد على الاستهلاك والتفاخر، وبدلاً من أن يُلهموا الشباب للبحث عن العلم والمعرفة، ينقلون لهم صورة سطحية عن الحياة، وكأنها مقتصرة على المظاهر الزائفة والتحديات التي لا تضيف شيئاً. ما ينشرونه من محتوى هو مزيج من اللامبالاة والفراغ الفكري، وكلما زادت التفاهة، زادت شهرتهم ومتابعتهم.

صناعة التفاهة هذه لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تمتد لتشوه القيم المجتمعية. أصبحت معايير النجاح تتعلق بعدد المتابعين، والمشاهدات، والعائدات المالية، بدلاً من الإنجازات العلمية، والبحث، والخدمات المجتمعية. لقد أضحى العلم والأبحاث ينظر إليهم كعالمين بعيدين، لا يحققان الشهرة أو الربح السريع الذي يناله صُنَّاع المحتوى التافه. وهذا التحول ينعكس سلباً على الأجيال الجديدة التي تبتعد تدريجياً عن حب المعرفة والبحث العلمي.

وفي الوقت الذي كان يجب أن يكون فيه العلم والبحث في قمة الاهتمامات المجتمعية، أصبح الواقع يعكس تقديراً للمحتوى الفارغ على حساب المحتوى الهادف. هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، لكنها ازدادت بشكل ملحوظ مع ازدياد عدد منصات التواصل الاجتماعي، وسهولة الوصول إلى الجمهور عبر الإنترنت، حيث أصبح كل شخص قادراً على نشر محتواه بلا ضوابط أو معايير، ليصل إلى ملايين المتابعين، بغض النظر عن جودة أو فائدة ما يُقدم.

إذا نظرنا إلى السبب الأساسي وراء هذا التراجع في قيمة العلم والمعرفة، سنجد أن هناك عوامل عدة تساهم في ذلك، منها الانبهار بالتكنولوجيا، واهتمام الأفراد بما هو سريع وسهل الهضم، وتراجع القيم الثقافية والفكرية، بالإضافة إلى قلة دعم الدولة والمؤسسات التعليمية لصناع المعرفة والمفكرين.

إن الحل لهذه الظاهرة ليس سهلاً، فهو يتطلب إعادة بناء الوعي المجتمعي حول أهمية العلم والثقافة، ودعم العلماء والمفكرين، وجعلهم قدوة للأجيال. يجب أن تُسخّر المنصات الرقمية لنشر المحتوى الثقافي والعلمي، ويجب أن تُبنى سياسات تحث الشباب على التفكير النقدي بدلاً من الانسياق وراء التفاهة. إن بناء مستقبل أفضل يتطلب منا إعطاء العلم والمعرفة مكانتهما الحقيقية، وإعلاء قيمة المفكرين، لأن المجتمع الذي يهمل العلم، ينتهي به الأمر إلى العيش في ظلال الجهل والانحطاط الفكري.

 

الاخبار العاجلة