بدر شاشا
دينامية البيئة
الجيل الأخضر بالمغرب هو استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز التنمية الزراعية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي. تأتي هذه المبادرة في إطار رؤية شاملة تتماشى مع التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المغرب. يرتكز الجيل الأخضر على تحسين الإنتاجية الزراعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
تاريخ الجيل الأخضر في المغرب يعود إلى عام 2008، حيث تم إطلاق برنامج “المخطط الأخضر” الذي كان يهدف إلى تطوير القطاع الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني. لكن الجيل الأخضر يمثل خطوة أكثر تقدماً، حيث يركز على الاستدامة وتغيير الأنماط التقليدية للإنتاج والاستهلاك الزراعي.
تعتبر الزراعة في المغرب قطاعاً حيوياً يساهم بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشكل مصدر رزق لملايين الأسر. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع العديد من التحديات، مثل قلة المياه، والتغير المناخي، والتدهور البيئي، مما يستدعي تبني ممارسات زراعية أكثر استدامة وابتكاراً.
أحد الأهداف الرئيسية للجيل الأخضر هو تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في الزراعة. يتطلب ذلك الاستثمار في البحث العلمي والتطوير لتطوير أنواع جديدة من المحاصيل تتحمل الظروف المناخية القاسية، وتطوير تقنيات ري أكثر كفاءة. كما تسعى الاستراتيجية إلى تحسين سلاسل القيمة الزراعية، مما يضمن توزيع المنتجات بشكل عادل ويحسن الدخل للمزارعين.
كذلك، يشمل الجيل الأخضر تعزيز التعاون بين المزارعين وتبادل المعرفة والخبرات. يتطلب ذلك إنشاء جمعيات تعاونية ودعم المبادرات المحلية التي تسهم في تحسين مستوى الإنتاجية وجودة المنتجات. هذا التعاون يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي ويعزز من قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع التغيرات.
من جهة أخرى، يهتم الجيل الأخضر بمسألة الاستدامة البيئية، حيث يسعى إلى تقليل الآثار السلبية للزراعة على البيئة. يتضمن ذلك تشجيع الزراعة البيئية والعضوية، واستخدام موارد طبيعية بشكل مستدام. كما يُعتبر الحفاظ على التنوع البيولوجي من الأولويات، حيث يُعد التنوع مصدر قوة للأنظمة البيئية ويعزز من قدرة الزراعة على مقاومة التغيرات المناخية.
يركز الجيل الأخضر على تحقيق الأمن الغذائي، وهو هدف استراتيجي يهدف إلى ضمان توفر الغذاء بشكل كافٍ ومضمون لكل المواطنين. يتطلب هذا تعزيز إنتاج المحاصيل الأساسية، ودعم المزارعين الصغار، وتحسين الوصول إلى الأسواق. الأمن الغذائي لا يتعلق فقط بالإنتاج، بل أيضاً بالتوزيع والتخزين، مما يستدعي تحسين البنية التحتية وتطوير أساليب جديدة في إدارة السلاسل الغذائية.
تتطلب هذه الاستراتيجية مشاركة جميع الفاعلين، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. يجب أن تعمل الحكومة على توفير البيئة القانونية والتنظيمية الملائمة، بينما يلعب القطاع الخاص دوراً حيوياً في الاستثمار وتقديم التكنولوجيا الحديثة. كما أن المجتمع المدني يمكنه أن يسهم من خلال دعم المبادرات المحلية وتعزيز الوعي بأهمية الزراعة المستدامة.
تعد التغيرات المناخية أحد أكبر التحديات التي تواجه الزراعة في المغرب. لذا، يتوجب على الجيل الأخضر أن يتضمن استراتيجيات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي. يتطلب ذلك تقنيات زراعية جديدة، مثل الزراعة المحمية والزراعة بدون تربة، التي تساعد في تقليل استخدام المياه وتحسين الإنتاج.
يمثل الجيل الأخضر بالمغرب رؤية متكاملة تهدف إلى تعزيز الزراعة المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي، مع الحفاظ على البيئة وتعزيز الابتكار. هذه الاستراتيجية ليست مجرد خطة زراعية، بل هي رؤية للمستقبل تهدف إلى تحسين حياة المواطنين وضمان استدامة الموارد الطبيعية. إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب التزاماً من جميع الأطراف المعنية، والعمل المشترك نحو غدٍ أفضل.