طارق المعروفي
صحيح أن الهواتف الذكية غيّرت بشكل ملموس طريقة تفاعلنا مع المحيط الذي نعيش فيه. فقد أصبحت مصادر المعلومات والترفيه متاحة في جيوبنا، مما قلل من الاعتماد مثلا على التلفزيون والإذاعة والسينما. ولكن في نفس الوقت ، يمكن أن توفر هذه الهواتف وسيلة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، إذا تم استخدامها بشكل معتدل. و الإدمان على الهواتف، يمكن أن يؤدي إلى فقدان بعض الروابط الاجتماعية والأنشطة التقليدية، لذا من المهم أن نوازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على تواصلنا الإنساني.
لقد قتل هذا الهاتف الذكي التلفزة و الراديو و السينما ، كما قتل آلة التصوير و الساعة و الكمبيوتر و المرآة، و قتل الصحف و المجلات و الكتب، و قتل كذلك الخريطة و المذكرة و اليومية و آلة الحساب …
و الخطير في الأمر أنه قتل التماسك الاجتماعي وحتى الحوار داخل البيوت، كل واحد منعزل لوحده أمام هذا الهاتف ،الذي استحوذ على وقتنا و سلوكنا.
و نتيجة للاستخدام المستمر للهواتف، تجد غرفة مليئة بالأشخاص مجتمعين فيزيائياً لكنهم لا يتفاعلون مع بعضهم البعض، إذ ترى أن كل شخص منصب على هاتفه منعزل عن الآخرين.
بعض علماء النفس يرون أن استمرار استخدام الهاتف قد يزيد من انتشار النرجسية في المجتمع، لأن الناس مشغولون وبنحو متزايد بمصالحهم، و في نفس الوقت هم متواصلون مع أصدقائهم. فالهاتف الذكي يسهل تركيز الشخص على نفسه لأنه يشجع الشخصنة.
و لكن في المقابل فقد استطاع هذا الهاتف أن ينقل لنا الأخبار في العالم بكل تفاصيلها، متحديا الإعلام الرسمي الذي ظل منكمشا و منغلقا على نفسه، كما أن بواسطة هذا الهاتف استطعنا أن نتواصل مع الأحباب و الأصدقاء البعيدين، إضافة لاستعماله في المبادلات التجارية و الكثير من المعاملات .
كل ما في الأمر هو أننا أمام جهاز استولى على وقتنا و عقولنا ،و يتعين أن نعمل على التوازن و الاستعمال العقلاني، خصوصا و أنه يجرنا بدون إرادة إلى الاستماع و رؤية بعض المخلوقات التي تريد هدم القيم و الأسرة بجميع الطرق، و تسعى إلى خلق مجتمع تائه. و لهذا يتعين عدم الاهتمام بكل ما ينشر، و أن يحكم المواطن عقله ليستفيد و يفيد، و يتعلم و يعلم .
و إذا كان هذا الهاتف الذكي قد قتل العديد من الوسائل التي كنا بالأمس القريب نستعملها و تفيدنا في الحياة اليومية ،فإننا لن نتركه اليوم يقتل التماسك الاجتماعي.