معروف مطرب
كثير من هم يعرفون شخص الشاعر والمثقف “محمد كمل” الذي عاش لما يناهز الستة عقود من الزمن الخالي، زمن لم يخلو من ماضي حافل بالدراسة الجامعية المتميزة سيما في مجال القانون، ليعقبها بعد ذلك بتفرغه التام للتشبه من مشارب الثقافة والأدب والفكر، إذ دأب ولوقت طويل بالبحث عن المعرفة هنا وهناك، وسعى جاهدا لتوسيع مداركه العقلية والفكرية بكل ما هو ثقافي وفكري وكذا قيمي وأخلاقي، هكذا تسنى له تكوين شخصيته السامية المتسمة بقمة التواضع، والتحلي بالسماحة الخلقية المتمثلة في ترسيخه لثقافة التسامح والتعايش السلمي مع بني جنسه البشر خاصة منهم ساكنة مدينة القنيطرة، والإضفاء داخل بيئته المجتمعية المحلية كل معاني الثقافة ولأدب والفكر لتنوير عقول العامة ممن يريدون أن يقتبسوا نور العلم بعيدا عن عتمة الجهل، حيث يقول الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف: “من دون شعب مُثقّف ثقافة واسعة ستنهار الدولة”.
هذا، وتجدر الإشارة أن الشاعر المثقف “محمد كمل” ما كان له أن يدرك هاته الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة والثقافة المنير لولا فضل أبيه عليه “رحمه الله وأسكنه فسيح جناته” هو من مهد له الطريق دراسيا زمن الماضي البعيد، وهيأ له ظروف وبيئة القراءة والبحث العلمي والمعرفي على الدوام، إذ مكنه من متابعة دراسته للغة الإسبانية التي تعد من بين أهم اللغات الحية في مجال التواصل الثقافي والفني والإنساني بين مختلف الأمم والشعوب، وهي ميزة خولت لشاعرنا المثقف “محمد كمل” بأن يتسم بكاريزما قوية جدا “شخصية ثقافية ومعرفية لا تهتز ولا تقهر أبدا” حيث يقول الكاتب الأردني جلال الخوالدة: ” حضور الشخصية، هي تلك الهبة الإلهية التي يمكن رصدها في مدى تأثير شخصية ما ووهجها مقارنة مع غيرها”.
ومن مآسي الظروف وغدر الزمان، أن أراد عينة من القوم الذين أفل نجمهم منذ أمد بعيد، هؤلاء الذين أرادوا لأنفسهم المكانة الأولى والدرجات العلى ليس في الآخرة، بل في هاته الحياة الدنيا الفانية فناء قوم عاد وتمود، لقد كانوا ولازالوا وسيظلون بمثابة البرزخ السليط الذي يحجب نور الساطع نجمهم، ويتير عتمة أشخاص عدميين هم حقيقة بمثابة مصابيح لا يشعل له فتيل في العالمين مهما حاول الأولين والآخرين حتى لو جاؤوا بمصباح ساسة السياسيين “أولا وأخيرا”، هكذا أرادوا عن سوء نية بألا تكون مكانة لأهل المكانة الحقة، وبألا يسطع نجم الساطعة أنوارهم في العالمين، هم وحدهم الانتهازيون والأنانيون والمتفردون من لا يحبون الخير لغيرهم داخل بيئتهم المجتمعية حقدا وحسدا وضغينة ما أنزل الله بها من سلطان أبدا ونحن على هذا من الشاهدين.
ولكم كنت سعيدا يوم شاءت الأقدار بأن جالست الرجل المحترم والمهذب “محمد كمل” الذي لمست فيه صدق الكلام وصفاء الروح وطهارة القلب وبعد النظر الفكري والثقافي وكذا العلمي، نعم إنه رجل جد متمرس ومتمكن من كل ما هو علمي وثقافي وفني، وعندما يشك في أمر ما تم استفتاؤه فيه حينها يكون جوابها جوابنا روحانيا ونورانيا من خلال قوله: “لا يمكنني أن أفتي فتوة علمية أو ثقافية دونما أن يكون لي علم ودراية بحقيقة شأنها وصواب أمرها، سأبحث وأقتفي في ذلك إلى حين يقيني بعلم ما لم أكن أعلم من ذي قبل، فسبحان الله العليم الخبير الذي وسع بعلمه كل شيء” عملا منه بقول الله تعالى: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا” الآية 36 من سورة الإسراء.
واليوم، وبعد مرور أزيد من ثلاثة سنوات على تأسيس علاقة صداقة الودية المتينة الأركان، فإني أعتبره والله على ما أقول شهيد بمثابة الأخ الذي لم تلده لي أمي نظرا لما لمسته فيه من طيبة زكية وسيرة عطرة، كيف لا وهو الرجل الذي يسعى لنشر الخير والمحبة بين سائر الناس من ساكنة المدينة، ولا يدخر جهدا أبدا في تعليم أو تلقين كل من قصده للتعلم منه أمورا معرفية أو ثقافية وفكرية وأدبية وكذا فنية فالرجل والله العظيم بمثابة موسوعة شاملة بما تخمله الكلمة من أسمى المعاني، حيث يقول المفكر المصري جمال حمدان: “المُثقف هو الإنسان الذى يتجاوز دائرة ذاته ليصل إلى المجتمع الأكبر كله، هو الانسان القادر على أن يجعل مشاكل الأخرين هموم شخصية له، وهو ضمير عصره”.
ألم يحن الوقت بعد يا قوم تبع بأن يتم فسح المجال للمثقفين من كتاب وأدباء وشعراء وفنانين ورياضيين الذين طالما طالهم النسيان والتهميش والإقصاء ليس قدرا مبين، بل بقدرة قادر أثيم، ومخطط غادر زنيم، مخطط انتهازي سنه السياسيون النفعيون ذوي المصالح … ونفذه شرذمة من الكسابين للمال السحت الذي هو عبارة عن فتات مادي هزيل لا يسمن قيمة ولا يغني شأنا، لكن هيهات ثم هيهات لقد حان الوقت المرصود، وحل اليوم الموعود، ذلك اليوم الذي سيعيد فيه أهل الله وخاصته أمجاد الأولين والحاضرين من رجال ونساء الثقافة والفن والرياضة نعم إنا لقادرون على الإعادة لهم سيرتهم الأولى سيرة الأمجاد الخالدة والتضحيات والعطاءات الراسخة والثابتة، سيرة حدثنا عنها آباؤنا لما كنا أطفالا وصبيانا، وتسنى لنا معايشتها واقعا ونحن شبانا وشبابا، إذ عاينها نهارا وجهارا، فكم من اسم وكم من صورة وكم من ذاكرة أرادوا محوها جاهدين لوأد سيرة الأولين والإحلال محلها سيرة الانتهازيين البعيدين كل البعد عن العلم اليقين والثقافة الحقة ذات الشأن العظيم، ويكيفنا هنا الاستشهاد بقول الله تعالى في كتابه الحكيم: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” الآية 9 من سورة الزمر.
والله الذي لا رب سواه إني أرى بفضل بصيرتي لا ببصري سؤدد ورفعة أولئك الرجال والنساء الذي تم تهميشهم من المشهد الثقافي والفني والرياضي، إذ جميعهم سيتم احتواؤهم داخل بيئة العرفان بالجميل، والثاء عليهم بالذكر الجميل مع تكريمهم تكريما سيشهد له أهل السماوات والأرش وسيكتب في سجل التاريخ السليم بمداد الفخز والاعتزاز، حيث يقول المثل العربي: “إن غدا لناظره قريب”.