“مع الشاعر إدريس بلعطار . الرحلة الثانية” للكاتب والشاعرعبد العزيز حنان

جسر التواصل11 فبراير 2024آخر تحديث :
“مع الشاعر إدريس بلعطار . الرحلة الثانية” للكاتب والشاعرعبد العزيز حنان

عبد العزيز حنان
الدار البيضاء  

****************
المتن
كَانِ هَذَا
غْنْا الْحَطَّابَا
حِينْ جَارَتْ
دِيكْ الْغَابَة
وْ حَرّْزَتْ
عْلَ لَغْشِيمْ الصَّابَة
حَرّْزَتْ
عْلَ لَغْشِيمْ دُخَّانْ الْعِيدْ
مقدمة
بداية لا أدعي لنفسي التخصص في مجال القصيدة الزجلية و نقدها ، فهي قراءة تتداخل فيها التقنية بالانطباعية و محاولة أولية للغوص في مكامن النص . ثانيا بعض المثقفين يتوهمون أن النقد هو تمزيق للنص بمعناه القدحي و يتناسون أن النقد إبداع ثاني للنص بمنظور و رؤية أخرى ،و عليه فهذه قراءة بسيطة أحاول من خلالها اختراق حصون النص قصد استجلاء بعض مخزونه.
القراءة .
_ النص بتركيبته الشكلية ، و من القراءة الأولية يبرز كثافة الصورة المتداخلة مع المضمون . الغابة ، بسرها بأدغالها بكل ما تحتويه تتركز و تتجمع في صور رمزية قليلة جد مكثفة لكنها غنية
من حيث الشكل :
كثافة النص يوحي بكتابة جديدة قاسمها المشترك مع القديم ، الحفاظ على الإيقاع النغمي و بعضا من القافية لكن بخاصية جديدة .
و جدته أنه يخلق لنفسه إيقاعا خاصا لا يخضع لأشكال الوزان التقليدية المتعارف عليها خصوصا في قصيدة الملحون التي تؤطر أوزان القصيدة الزجلية فهي لا يمكن تصنيفها لا في ( لمبييت و لا في السوسي و لا في مكسور الجناح ) فالشاعر يخلق لنفسه إيقاعا جديدا يستوعب دفقته الشعرية . و يمكن للباحثين في هذا المجال استجلاء الوزن الذي أبدع فيه الشاعر.
_ قد يكون للنص امتداد لم أطلع عليه يعطي صورة أكثر اكتمالا ، و يُمكِّن من تصنيفه ضمن أحد الأوزان المعروفة .لكن التعامل مع المقطع الحاضر يوحي بتميز النص بإيقاعه الخاص و وزنه الخاص …و هذه جدة تحسب للشاعر الزجال إدريس بلعطار
_ على مستوى المضمون .
يشكل النص غنى كبيرا من حيث الكم الدلالي ومن خلال حمولة الكلمات المتجانسة فيه ….( الحطاب – الغابة – الصابة ) يقابلها ( الغنا – الغشيم – العيد) . لن ادخل هنا في التفصيل البنيوي للكلمات و الحروف ، لكن ، لكل مفردة من هذه حمولة تختزن أكثر من قراءة و هذا هو غنى النص رغم كثافة المعنى في حيز مكاني جد مختصر .
– _الغابة بكل حمولتها في الذاكرة الشعبية . بدايتها المثل الشعبي : ( الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود) .. الغابة رمز الهيبة …، رمز الخوف من الكامن بين الأحراش و الأدغال ..، رمز المجهول المتربص بزواياها ….. يقابلها الغابة رمز العطاء بلا حدود ، رمز الاحتضان ، الشجر و الثمر و الكلأ و الحطب…و…و…..
– الغابة الرمز الحافظ للأسرار………كل هذه الحمولة الغنية للغابة \الرمز يحتملها هذا النص.
– يقابلها الحطاب …….. و الذي ينحو نحو منحيين : الأول إيجابي ، الإنسان البسيط المكافح الذي يقتات من الغابة ، يعايشها فتحنو عليه . يلتقط رزقه منها فتعطيه بلا حساب …… الثاني سلبي ، أو الحطاب الشرير في المخلية ، القاطع بلا رحمة ، المنتهك لحرمة الغابة ، الجائر على خيراتها و حتى على روادها .
– التقابل بين الحطاب و الغابة بكل الحمولات ، ثم بين الغناء و الجور يعطي زخما هائلا للنص و هو يمنح النص فنية جميلة فيما يعرف في الشعر الفصيح بالطباق
– _ الغناء الذي يقابله الجور . الغناء \ الفرحة و الزهو و الشعور بالانتصار و الانتشاء . يقابله الجور \ شدة الظلم لدرجة القسوة ….كيف تجور الغابة ؟؟؟؟؟؟؟؟ و كيف يغني الحطاب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هذه الثنائية في التقابل تعطي للنص إضافة للمعنى ، ذلك الإيقاع اللفظي الذي يقرع آذان السامع قبل المتلقي القارئ للنص .خصوصا إذا كان الملقي يستشعر نبض الحرف و يثير وقعه على السامع . ….. ثم رصد الكلمة و إيصال تقابل المعنى سلبا و إيجابا.
– _ الغابة تمنع الصابة عن الغشيم كلمة (حرزت ) إحالة على منع الشيء من الاستغلال و التداول سواء ظلما و تسلطا . كما في قصيدة الحراز و حكايا الحراز في قصائد الملحون أو كون التحراز هبة و عطاء من (حرز) الأرض أو الشجر أو غيره لمنفعة عامة و يقابلها في المصطلح : الوقف.
– _ أما الغشيم . فهو السذاجة ، الغفلة لدرجة السفه انعدام التجربة . البلادة ……….و قد يكون عكس ذلك المغرور بمعرفته و ينسى أنه لا يعرف شيئا و لا يفقه شيئا ..قد يكون قويا ، لكنه من فرط غروره قد يتحطم كبرياءه بأصغر الأشياء و هاهي الغابة تمنع الصابة و الفرحة عن الحطاب ……..و هو بذلك غشيم و إن كان معنى الغشيم : البليد السادج ، الغِّر الذي لا يعرف شيئا .
– الغابة بحمولتها تمنع عن الحطاب بكل تجلياته و هو الغشيم فرحة العيد و عطاء العيد التي يمثلها في النص ( دخان العيد ))
– حمولة غنية ، زاخرة بالصور المتخيلة و للمتلقي تفسير الحمولة و اخيار ما يناسبه حسب ثقافته و مرجعيته ..
– هي قراءة متواضعة لنص غني رفيع استوقفني كثيرا قبل أن يمنحني هذه القراءة .
و إلى نص آخـــــــــــــــــــــــــر

الاخبار العاجلة