“مقامات حروفية” للكاتب والشاعر عبد العزيز حنان

جسر التواصل8 فبراير 2024آخر تحديث :
“مقامات حروفية” للكاتب والشاعر عبد العزيز حنان

عبد العزيز حنان
الدار البيضاء في 29 مارس 2022

هدية للمكرم يوم السبت 10 فبراير 2024 المبدع عز الدين الجنيدي بالمركب الثقافي عبد الله كنون / عين الشق / الدار البيضاء و لمحبيه ….
 خلطة عشق
عز الدين الجنيدي
*******
محاولة لملامسة نبض المبدع المتعدد المواهب ، هذا التعدد الذي أفرز مبدعا متميزا على جانب كبير من الخصوصية . و تأسس هذه الملامسة على سبع نوافذ نطل من خلالها على جانب من عوالم المبدع .
النافذة الأولى
عِز الدين الجنيدي.
طفل عرفته ، و طفل ما زال …
لم ينفصل قطّ عن هذا الصفاء الأول ، و لم تعكر تدفقَ سلسبيل الطفولة ، توالي سنوات العمر مشحونة بالتقلبات …
عِز الذين الجنيدي .
كنت دوما أرى فيه توالد جينات الجدود رغم مُضيّ كل هذه الحقب …تتغير معالم الحياة ، تتدثر بأقنعة شتى متباينة متنافرة ، لكن الجينات تحتفظ بخصائصها . فاسم الجنيدي علَم في مجال التصوف الإسلامي السني . و يصفه العلماء كون التصوّف في المغرب الذي أسسه الجنيدي “التزام تام بالشريعة الإسلامية من أجل الوصول إلى مقام الإحسان الذي يعد لب الإيمان وروحه وكماله”.
نعم عِز الدين سليل عائلة لها مقامها الصوفي المتوارث . فليس غريبا أن يكون هذا الفرع من تلك الشجرة الوارفة .
هكذا عرفته ، و هكذا ما زال كلما الْتقيتُه .
النافذة الثانية
العنوان . ( بين السقف الأفقي ، و الدعامة العمودية )
مقامات حُروفية
أولا : الحروفية كمصطلح تتجاوز المعنى الذي قد يتبادر إلى ذهن المتلقي عند قراءته . فهو ليس دلالة لمعنى جمع ( حرف ) و إنما يحيل على الارتقاء من مجرد حرف من الحروف يشكل الكلمة إلى الرمزية الدلالية والجمالية فيه .
و هو ما يشير إليه الدكتور محمد البندوري في المجلة الثقافية الجزائرية بتاريخ 30 دجنبر 2020 (الحرف في الأصل: الطرف والجانب، وبه سمي الحرف من حروف الهجاء وحول مادة الحروف يقول السجلماسي: ” أما اتفاق المادة فبحيث تتفق الحروف التي منها تركبت الكلمة وهي اسطقساتها، ولا مبالاة باختلاف الصورة، وأما اتفاق الصورة فبحيث تتفق الأمثلة والأشكال والأبنية التي تحل محل الصورة في مادة الحروف.”ويذهب الشاروني إلى أنهم الرسامون الذين جعلوا من الحرف العربي منبعا لإلهامهم وموضوعا شكليا للوحاتهم) ليضيف في نفس المقال (إن الانتقال من مجال الكتابة الخطية العادية إلى المجال الحروفي قد فسح الطريق للمبدعين كي يرسموا أشكالا حروفية انبهر بها العرب والعجم. فأصبحت الحروفية العربية بصورها المتنوعة تتوافق بأشكالها الخصبة مع الفن البصري، ما يتيح الوصول إلى المعنى، وإنتاج بلاغة حروفية بفهم إبداعي، خاصة إذا كانت الحروف منفذة بأساليب جمالية وأشكال مناسبة وصور رائقة. لا من حيث فنية الخط العربي، ولا من حيث صور الحروف وأسلوب التركيب والوصل ) و هذا يعطينا الدلالة المراد بلفظ الحروفية . أي الانتقال من الحرف المجرد إلى وظيفة الحرف الجمالية و التعبيرية . .
ثانيا : مقامات
• و هي جمع مقام و تعني المجلس و هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام حين رفع بناء البيت . و في المصطلح الصوفي ، المقامات هي حالات و مراتب ثابتة ينالها السالك بجهده الخاص في مدراج الارتقاء و أهمها : التوبة ، الورع ، الزهد ، الفقر ، الصبر ، التوكل ثم الرضا .
ثم هناك فرقة صوفية تحمل نفس الاسم متأثرة بالإسماعيلية تقول:إن العبادة هي اللفظ، وبه يمكن للإنسان الاتصال بالله، والمعرفة هي أيضا معرفة الألفاظ لأنه مظهر الموجودات ، واللفظ لذلك مقدم على المعنى .
من خلال هذه الإشارات تعالوا بنا نقرأ العنوان في سقفه الأفقي ( مقامات حروفية )
الدعامة العمودية ( خلطة عشق )
نعم . هذه خلطة عشق ، و على دعامة العشق يتأسس الفعل الإبداعي لدى عِز الدين الجنيدي . إنه الهم الأكبر الذي رافق الإمام شمس محمد بن علي التبريزي المتصوف الذي أوقف حياته على المحبة الإلهية و البحث عن سر العشق الذي يسمو بالإنسان إلى الخلود بقرب المحبوب و نيل وصاله حيث أودع سرّ سريرته لجلال الدين الرومي ليكونا معا نبراسا للمحبة و العشق التي استقاها من تعاليم الدين الإسلامي .
و عِز الدين الجنيدي لم يخرج عن هذا السياق ، لكن برؤيته الإبداعية الخاصة التي بثّها في هذا الإصدار .
النافذة الثالثة
الإهداء.
( محبتي بلا ضفاف لأنامل الروح التي عزفت من فلوات هذي الأحرف سمفونية لون و أحبار على مقامات العشق في مراتبه ” الأقسى ” و شاركني حلم هذي الجذبة الحارقة ، المسافرة بنا حتما إلى حيث شوارق الجمال )
يبدأ الإهداء بالمحبة و ينهيه بالجمال . هكذا يؤطر المبدع بصمته الأولى ، و بين التأطيرين هناك مقامات العشق في مراتبه الأقسى . و وضع المبدع اللفظ ( الأقسى ) بين معقوفتين دلالة أن اللفظ ليس فيه خطأ بل هو صحيح . فمراتب العشق كلما تسامت ازدادت حدّتها و بقدر السعادة التي تمنحها تكون قاسية على العاشق . و يردف الإشارة إلى العشق ، ب ( الجذبة الحارقة ) . هي أقصى ( بالصاد ) مراتب رقصة المجاذيب في مولوية مولانا جلال الدين الرومي صعودا إلى عوالم الروح المشتهاة .
النافذة الرابعة
بين المقام الموسيقي و المقام الصوفي .
لعل المقامين معا ينحصران في الرقم سبعة . مع بعض الاختلافات في العدد بين الثمانية و التسعة و كل مقام تتفرع منه جزئيات متعددة . فما هي العلاقة بينهما ؟
كثيرا ما ينحرف بنا الفهم في الموسيقى فيحدد في الآلات ، بينما الموسيقى هي تركيبة أساسية في ذواتنا ، أساسها الصوت أو ما يقوم مقامه إذ الآلات الموسيقية جاءت بعد استئناس الإنسان بالصوت الموسيقي و بحثه عن آلة تؤدي صوته الموسيقي . لذلك نجد هذا التقارب بين المقامات الموسيقية و المقامات الصوفية .
المبدع عِز الدين الجنيدي زاوج بين النص الشعري و بين الأداء الموسيقي ليقدم لنا إبداعا متميزا يتأسس على صوت المحبة و العشق على إيقاع موسيقي يتجانس فيه الشقان .
النافذة الخامسة
الإضافة النوعية في تجربة عِزالدين الجنيدي .
من خلال العناوين التي تصل إلى ثمانية عشرة عنوان نجده يزاوج بين المقامات الصوفية و أحوالها المتفرعة عن كل مقام و بين الإصحاحات في الإنجيل . فمن يطلع على الإنجيل يجد هذا التقسيم إلى إصحاحات و لكل إصحاح تسمية معينة استفاد المبدع من هذا و ألبسه المقامات الصوفية في تركيبة ناجحة سواء كان على وعي بذلك أم لم يكن .
النافذة السادسة
الخط.
ليس لي دراية كبيرة بهذا العلم ، لكن تجربة المبدع دفعتني إلى طلب المعرفة في هذا الموضوع . لأن الخط الذي اعتمده المبدع كان متميزا و هي تجربة تحسب له .
الخط المغربي . نعم هذا الخط الذي اكتسب خصوصيته عبر قرون من الممارسة و التجديد منذ انتقل الخط الكوفي إلى القيروان كمحطة مهمة في الفتح الإسلامي ليسمى بالخط الكوفي القيرواني و بعدها تطور هذا الخط في كل من الأندلس و المغرب الأقصى و إن خلا من الزخرف خصوصا في الدولتين المرابطية و الموحدية لكنه انطلق نحو الإبداع بعدهما و اجتهد الخطاطون في تطوير هذا الخط مع الاحتفاظ بالأصل . و من أهمها التي نجدها في هذا المنجز الإبداعي أشكال كتابة النون و الكاف و الطاء و الضاد و الظاء مع الحفاظ على نقطة الفاء تحت الحرف و نقطة القاف فوق الحرف .
النافذة السابعة
تسمية المقامات الثماني عشرة
المبدع عِز الدين الجنيدي لم يحصرها في مصطلح معين . و إنما تركها كتابة إبداعية مفتوحة ، للنقاد و الدارسين حرية تسميتها و تصنيفها .
فهو لم يسمّها لا بالشذرة و لا بالومضة و لا حتى بالتوقيعة التي أضافها الشاعر و الناقد الفلسطيني عز الدين المناصرة . و لا هو ارتمى في ( موضة ) لعنة الهايكو التي لجأ إليها كثير من كتاب المرحلة .
عِز الدين الجنيدي أبدع … أهدى لعشاق الحرف و الكلمة المسؤولة ما فاضت به الروح و تفجرت من قلبه العاشق و لهم أن يحتضونها بالمسمى الذي يختارون .
هي ورقة أولية عن هذا المنجز الإبداعي ، و لي عودة إليه بالتفصيل في ورقة قادمة إن شاء الله.

الاخبار العاجلة