
طارق المعروفي
هناك فئة من الناس الذين يملكون دائما الزِّر . يضغطون عليه عندما يريدون الخصام مع فرد ما،و قطع العلاقة إلى أجل مسمى ، كما يمكن لهم أن يضغطوا على الزِّرِ من أجل الصلح و إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي في الوقت و الظروف التي تلائمهم .
و لهذا فإنهم الأَوْلى و الأَحَق باتخاذ القرار في جميع الحالات، و لا يحق للطرف الآخر أن يدافع عن نفسه، أو يقرر مآل العلاقة التي تربطه بالآخر.
و غالبا ما يتأثر أَصْحَابُ الزِّرِّ بالأخبار الزائفة التي يسمعونها، فلا يبحثوا عن صحة المعلومات التي وصلت إليهم، و لا مصداقية “أصحاب الحسنات” الذين يسعون إلى التفرقة و تشتيت الشمل من أجل مصالحهم الخاصة، أو الانتفاع بأصحاب الزِّر ، و جعلهم طواعية بين أيديهم. كما أنهم لا يسمعون قول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
و لهذا سرعان ما يضغطوا على زر الخصومة بتسرع و غضب، بدون تروي و رزانة و تعقل.
و يلاحظ كذلك أن هؤلاء المعنيين بالأمر، يعودون إلى التعامل مع من ظلموهم في الزمن و المكان الذي يحددونه بدون التماس المعذرة من جراء تصرفاتهم البلهاء، لأن نفسيتهم لا تسمح بذلك، و لأنهم تعودوا على الهيمنة و العجرفة و الأنانية. فهم أصحاب القرار، و هم أصحاب المبادرة في تلك العلاقة التي تربطهم مع الآخرين.
و لهذا فإن العقل الراجح والتأنّي العميق والمراجعة الإيجابية، يمكنه أن يعيد تدوير تلك المعركة الظالمة إلى معركة عادلة، وتحويل الاشتباك إلى اتفاق، والشقاق إلى عناق، وتطويع الخصام إلى وئام.
وكم من الملاسنات والعويل والصراخ وتبادل الأصوات والزعيق بين اثنين اختلفا في أمرٍ ما، لكنها سرعان ما هدأت وثيرتها لأن المحبة و الموضوعية دخلت بينهما فجأة، وأغلقت الأفواه بغمضة عينٍ، مستعينة بمراقبة العقل وشدّ وثاق الانفلات اللساني والتحكّم العقلاني وإطفاء ثورة الغضب.
و عليه ، أقول لأصحاب الزِّر: إنكم مع الأسف لا تتوفرون على الشخصية و الرزانة و التعقل و الانضباط ، لأنكم مسيرون فقط من طرف الذين فهموا اللعبة، و تمكنوا من معرفة نقطة ضعفكم ،و أصبحوا يتحكمون فيكم مثل “الدمى المتحركة “، و أخشى أن يصيب عطب ذلك الزِّر ، فتريدون العودة إلى الصواب، و لكن هيهات، لقد فات الأوان، فأصبحتم على ما فعلتم نادمين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، فيعذبكم ضميركم إذا كان هذا الأخير لا زال حيا .