طارق المعروفي
أصبح اليوم من المؤكد أن النقابات لا تمثل إلا نفسها ، لأنها اصطفت بجانب الحكومة، و أصبحت مدافعة عنها ،و هذه ظاهرة غريبة في ظل هذه الحكومة الغريبة من نوعها. و لهذا فإنها فضلت التحاور مع النقابات على إثر الإضرابات التي يخوضها أساتذة التعليم العمومي منذ مدة ،مدركة أن هذه النقابات هي الحل لهذا الاحتقان الذي تعرفه الساحة التعليمية .و تقرر رش الأساتذة ببعض الدريهمات حتى يسكتوا و يعودوا إلى أقسامهم، لأنها حكومة البيع و الشراء ،لا حكومة التدبير و التسيير و إيجاد الحلول المقنعة و الملائمة .و صرح بالتالي رئيس الحكومة بعد اتفاق العاشر من دجنبر مع هذه النقابات، “أن كل ما في وسعنا أعطيناه”. و هنا يتحدث عن الزيادة في الأجر، بيد أن السبب الرئيسي للإضراب غير مرتبط بالدرجة الأولى بزيادة اعتمادات معينة أو شيئا من هذا القبيل، بل يتعلق أساسا بإسقاط النظام الأساسي ، و إدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في أسلاك الوظيفة العمومية .
و هكذا استمر الإضراب ،مما دفع الحكومة هذه المرة إلى الجلوس مع التنسيقيات التي تمثل الأساتذة و المعنيين بالأمر لبسط الملف المطلبي برمته. و كل هذه المراوغات و هذه المساطر التي تقوم بها الحكومة، هي ليست في صالح الوضعية الحالية، لأن التلاميذ معطلون منذ مدة، و السنة الدراسية تمر بسرعة، و يصعب بالتالي تصور كيف سيتم تدارك ما ضاع من وقت للتحصيل، و هل في استطاعة التلميذ أن يتدارك ما فاتته من دروس طوال مدة الإضراب؟ و هل للحكومة حلولا واقعية ومعقولة لتعويض الحصص؟ و من يتحمل المسؤولية ؟ علما أن هناك انحدار غير مسبوق لمستوى التعليم في المغرب، و ذلك على مستوى اكتساب المعارف، لأن التلميذ يدرس في قسم معين بناء على المعارف الذي درسها و اكتسبها في مستوى السنة الفارطة، و إذا ما قامت الدولة برفع نسبة النجاح هذه السنة ، فذلك سيخلق مرة أخرى انحدارا في مستوى التعليم .
آخر دراسة دولية لتقييم معارف التلميذ في المغرب أجريت سنة 2021 أعطت أن 100 /59 من التلاميذ في مستوى الخامسة من الشهادة الابتدائية ،لا يستطيعون تركيب جملة مفيدة بالعربية و لا بالفرنسية .و هذا هو واقع تعليمنا الذي تدهور بشكل ملموس، و لا زال يتدهور إلى يومنا هذا ، و كأن الدولة تريد رفع يدها بسرعة عن هذا القطاع، و تشجيع المدارس الخصوصية للقيام بهذه المهمة، و تلك الشعارات التي كانت ترددها أيام الحملة الانتخابية، ما هي إلا وعود و أوهام من أجل الظفر بالسلطة و المناصب.
و لهذا فإن المواطن المتدمر من سوء تدبير هذه الحكومة في جل القطاعات ،و هذه الزيادات المهولة في الأسعار ، أصبح يعي اليوم أن الشعارات الانتخابية أكل عليها الدهر و شرب ،و أن دور البرلمان هو التصفيق لصالح الحكومة ، و النقابات تنقب و لا تمثل الشغيلة، و الإعلام المأجور ما هو إلا لتسلية المواطن و تضبيعه و استحماره ، و ما على المواطن إلا أن ينتظر الخروج من هذا النفق الطويل و المظلم .