طارق المعروفي
” الدفاع عن النفس” ،هو التبرير الذي نهجته منذ مدة سلطة الاحتلال الإسرائيلي لتبرير جميع الجرائم التي تقوم بها. حيث أن قتل الأطفال و النساء و الشيوخ ، و تدمير المنشآت و المستشفيات و المدارس، كلها تبقى وسيلة من الوسائل للدفاع عن النفس. و الدفاع عن النفس ، يكون دائما من حق إسرائيل و أمريكا و الدول التابعة لهما ، أما الشعوب الأخرى ،فليس لها هذا الحق.
أما تلك المقولة البليدة و الخبيثة، على أن حركة حماس تستخدم الأطفال و النساء ” دروعا بشرية “، و لهذا فإن من حق جيش الاحتلال أن يدمر جميع المنشآت المشبوهة. وحتى لو سلمنا بهذا الافتراض الكاذب كما العادة و الغير معقول ، هنا أضع سؤالا بسيطا : إذا ما فر بعض المجرمين الإسرائيليين و اختبؤوا في مستشفى أو مدرسة في إسرائيل ، فهل سيتم تدمير ذلك المستشفى و تلك المدرسة على رؤوس المواطنين لأن هؤلاء المجرمين استعملوا المرضى و التلاميذ دروعا بشرية ؟ التدمير و القصف العشوائي و في بعض الأحيان المقصود ،لا يتم إلا في الأراضي المحتلة.و تدمير المستشفيات هو مقصود، حتى لا تتم معالجة المرضى و المجروحين و المعطوبين ،و حتى يتوقف قطاع الصحة عن عمله و تكثر الوفيات . و كذلك الشأن بالنسبة للمدارس حتى تتوقف الدراسة و التعلم .
هناك تصريح لأحد جنود الاحتلال عندما قال: بأن على إسرائيل قتل أكبر عدد من الفلسطينيين لأنهم يشكلون حسب تعبيره خطرا عليه و على وجود إسرائيل.أما عن الأطفال، فإنه يعتبرهم بدرة ستعطي الإرهاب في المستقبل ، و النساء يتعين قتلهم لأنهم يلدون الإرهاب . و كلمة “الإرهاب” الذي استعملها مجرم الحرب “بوش” ليتمكن من غزو العراق و تدميره بالكامل ، لعبت دورا فعالا، و استغلتها عدة دول لتبرير التدخلات و الحروب و القتل، كما أننا لا زلنا نتذكر مقولة “بوش” المجرم حيث قال: من معنا فهو ديمقراطي، و من هو ضدنا فهو إرهابي .
و مما يزيد من لهيب البغض و الحقد، هذا الإعلام الغربي المقيت الذي يقلب الحقائق، و يغض الطرف عن المآسي. و هناك تعليمات صارمة متعلقة بعدم نشر و بت صور الأطفال الفلسطينيين تحت الأنقاض ،و النساء الموتى، و الدمار القاتل، لأنها صور يمكن أن تؤثر عل المتلقي. و لهذا يتعين الاهتمام بالجانب الإسرائيلي، و تصوير دموع أسر المختطفين و آلامهم، و التركيز على أن إسرائيل أمام منظمة إرهابية، و عدم الحديث عن المستوطنات و عن المقاومة من أجل استرجاع الأراضي المحتلة .
إلا أن هناك من يحاول إعطاء المصداقية للمهنة، فيكون مآله الطرد و الإبعاد.
و على هذا الأساس هناك حلقة تلفزيونية فرنسية تم بتها على المباشر في الأيام الأخيرة، حيث تم استضافة الناطق الرسمي لجيش الاحتلال، فسأل الصحفي الضيف ما إذا كان يعتبر أن اقتحام المستشفيات في غزة من قبيل جرائم الحرب، و هذا ما أحرج الناطق الرسمي، الذي أراد أن يحرف النقاش قائلا: إن حركة حماس قتلت الأطفال و النساء و اقتحمت بيوتا و سرقت… فرد عليه الصحفي سائلا :هل تقول إنكم تتصرفون إذن مثل حركة حماس؟ و هو ما أغضب الناطق الرسمي. و بعد هذا اللقاء، وجهت عدة انتقادات إلى الصحفي ،لأنه زاغ عن الطريق المرسوم للإعلام الغربي، الذي يتحتم عليه نصرة إسرائيل و تشويه المقاومة، و اعتبار كل عمل للمطالبة بتحرير الأراضي المحتلة إرهابا .و ربما سيتم اتخاذ الإجراءات الزجرية اللازمة في حق هذا الصحفي لإبعاده عن المهنة.
كما نتذكر جريمة قتل الشهيد محمد الدرة في سنة 2000 ؟ حيث التقطت عدسة المصور الفرنسي بقناة فرنسا 2 ، مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر 12 سنة خلف برميل إسمنتي ، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار، حيث سقط الطفل جثة هامدة أمام عدسة الكاميرا على يد الجيش الإسرائيلي. و قد تم توقيف المصور، و اتخذت عدة إجراءات حتى لا تتكرر مثل هذه الصور التي من شأنها أن يتعاطف معها المشاهد.
نحن في عالم غريب، تطغى عليه شريعة الغاب في حلة جديدة ،و الغلبة للأقوى، و القوانين تطبق على الآخرين ،و يتنصل منها أصحاب النفوذ و الهيمنة. نحن في عالم لا تطبق فيها المعاهدات الدولية، و لا بنود ميثاق الأمم المتحدة، و لا مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على ما يلي : يولد جميع الناس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق . أين نحن من المبادئ و القوانين الدولية، أم ستبقى تلك الدول فوق القانون دائما ؟ تمارس الكذب و الافتراء و التضليل و البهتان و الباطل و التزوير و التزييف و الخداع .